مفارقات عجيبة تحتاج إلى دراسات نفسية / منى الغبين

مفارقات عجيبة تحتاج إلى دراسات نفسية
الغالبية العظمى من الشعب العربي يؤمنون إيمانا قاطعا بأنّ الإعلام العربي الرسمي لا يقول الحقيقة , وأنّه يحترف التزوير , وقلب الحقائق , وإخفائها , ومع هذا تجدهم يستمدون أفكارهم ورؤاهم من هذا الإعلام , فتجدهم يتجادلون , ويتبادلون التهم وربما الشتائم وكلّ منهم يستند إلى رواية أو روايات من ذلك الإعلام الذي لا يشكّون بكذبه .

والأعجب من ذلك أنّهم يكذبون أبصارهم ويصدقون ما يقوله الإعلام كما جاء في النكتة التي تقول أنّه في إحدى البلدان المضطربة في ذات يوم كان صديقان يجلسان في مقهى فسمعا هتاف مظاهرة , فقال أحدهما : إنّها مظاهرة في الشارع ….. فأجابه صديقه : مستحيل , لا يوجد مظاهرة لأنّ الجرائد تقول : لا يوجد مظاهرات اليوم !!
يكتب صحفي خبرا مزوّرا عن حادثة فتنتشر الصورة المزورة , وينفيها شهود العيان العدول أو يوضحونها خلافا لما قاله صحفي غير معروف , فيأبى الناس قبول ما يقولون ويصرّون على صحّة ما قرأوه !!
لا يشكّ الناس بأنّ كبار المسؤولين يمارسون خداع الشعب , ويعملون بخلاف مصلحته ولا تهمهم مصلحته أصلا , ومع هذا يستمعون إلى وعودهم المعسولة , ويبنون عليها الآمال الطوال العراض , ولا يضيرهم أنّ يكتشفوا كلّ يوم أنّهم يجرون خلف السراب ,وأن هؤلاء يجرونهم إلى المهالك , ولا يمنعهم ذلك من إضفاء ألقاب التعظيم والتبجيل على أولئك المسؤولين الكاذبين المخادعين !!
وحتى في العلاقات الشخصية والصداقات الإنسانية تجد الناس يجرون خلف من يخدعهم , ويتآمر عليهم , ويكتشفون ذلك فلا يزيدهم ذلك إلاّ ثقة به , ويقفون على العكس ممن يهمّه مصلحتهم , ويعمل لهم بصدق وإخلاص …….. !!
يتشدّق الناس بالعلم والمعرفة والعقلانية ولكنّهم يتساقطون في أول امتحان بشكل مفجع مثير للشفقة , تشاهد ذلك في اختيار ممثليهم للبرلمان , والمجالس البلدية , وتحديد مواقفهم من القضايا العامّة التي تهم الوطن والمجتمع ….
نعم ثمّة خلل يحتاج إلى دراسات جادّة , فهل العيب في طبيعة الاجتماع الإنساني وما يسمّى بروح القطيع ؟ أم هو نتيجة لظروف وضع بها الناس فأنتجت هذه الظاهرة ؟؟ وهل من سبيل للخروج من هذه الحالة ؟؟ وهل يكفي أن نفسرها بأنّها قدر لا انفكاك منه , وقضاء مبرم لا سبيل لردّه استنادا إلى ما جاء ببعض الأحاديث النبوية الشريفة مثل حديث “سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ” قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: “الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ” ؟؟ أم أنّ مثل هذا الحديث يستوجب علينا الدراسة الجادّة لمعرفة الأسباب التي توصل المجتمع إلى مثل هذه الحال التي وصفها هذا الحديث الشريف ؟؟
أسئلة أضعها بين يدي المهتمين بشؤون المجتمع على أمل أن تحظى بالعناية اللازمة المتناسبة مع خطورتها وأهميتها .

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى