أناتومي (هلوسات) / وائل مكاحلة

أناتومي (هلوسات)
في غياهب مظلمة خلقت متميزة عن كل خلق، صغيرة لكن فعلي كبير، يحملني الجميع.. صغيرة لكن فعلي كبير، هناك شعوب مرتاحة لا تحتاج أن تفكر في وجودي أصلا، وشعوب يؤلمها “أنا” لدرجة أنهم يفكرون كثيرا بالإستغناء عني.. بل – تخيل – يشقون لحمهم كي يتخلصوا مني إلى الأبد!!.. أحمل إسما لم يبزني فيه أحد، ذلك أنه إسم على مسمى، إسم ما أن تلفظه حتى تشعر بطعمه في حلقك على الفور…… أنا المرارة !!

أستطيع أن أحدثكم عن حياة أقاربي المترفين في الغرب.. حيث حياة الرفاهية والدعة والنعمة الكبرى… عدم التفكير في المستقبل !!.. لكني أؤثر أن يدور حديثنا حول الشرق.. بلاد العرب بالتحديد، أسمع بعضكم يتهامس بأنني “فقرية” لست “وجه نعمة”.. لكنكم تتمتعون بقدر أكبر من الماسوشية (جلد الذات) بحيث تتركون الفرح لتركضوا خلف الترح، ألست جزءا منكم؟.. دعوني أجلد ذاتي معكم إذا…!!

أعلم أن هؤلاء القوم لا يقيمون لي وزنا، يوصيهم الأطباء بمراعاتي لكنهم يتعاملون وكأني غير موجودة أصلا، يشعر العربي بتقلصات في بطنه فيزور الطبيب الذي يؤكد أنني في حال يرثى لها، وأن نظاما خاصا لا بد وأن يتبع للحفاظ علي، فيمط هذا شفتيه مستهجنا: “المرارة؟!!.. شكرا على وقتك دكتور” !!.. ثم يغادر العيادة لا يلوي على شئ ملقيا كلام الطبيب في أول سلة مهملات يقابلها.. ” أنا الذي لا يهتم بقلبه ويتعامل مع مخه كأنه شقة للإيجار.. هل ستقتلني مرارة؟؟ ” هكذا يقول المعلم المثقف الذي عاد من المدرسة ليقضي ما تبقى من نهاره خلف عجلة قيادة سيارة الأجرة…!!

الحقيقة أن هموم هؤلاء القوم أخذت وقتهم وحياتهم ذاتها ولم تترك لهم مجالا للتفكير في أشياء صغيرة كتضخم المرارة أو تليف جاري “الكبد” أو قرحات جارتي الثرثارة “المعدة”، تقلصات صديقي القولون أيضا باتت معروفة وعلاجها سهل، أن تكون في الهواء الطلق !!.. هناك ما يشغل البال هنا أكثر من حبة دواء أو وصفة عربية..

مقالات ذات صلة

الطالب يدرس هراءا يسبب له مرضا يسمى كره التعليم، الجامعي يحمل شهادة من هراء لا تساعده بلا خبرة، صاحب الخبرة دنانيره المتبقية من هرائه الشهري لا تكفيه لعيش كريم، الحرفي يضيق بكل هؤلاء وبنقودهم القليلة فلا يتقن عمله….. هكذا ألفينا الشعوب بأكملها تضمر الحقد لبعضها، كل يدعي وصلا بالحكومات.. والحكومات لا تعبأ بأحد منهم.. سياسة فرّق تسد لا زالت تصلح هنا برغم التاريخ الذي لم يقرأه أحد…!!

أعرف رجلا أوقف سيارة أجرة.. فتح الباب وجلس بجانب السائق وطلب منطقة بعينها لا يحبها السائقون لإزدحامها، قلب السائق كفه بلا مبالاة ففرح الرجل، مشت السيارة بكليهما فسأل الراكب السائق ذي العينين نصف المفتوحتين إستهتارا:-

– ألا تمانع حقا من الذهاب إلى (…) ؟
– تؤ
– كأنك لست من عمان؟
– تؤ
– هل تعمل سائقا منذ زمن؟
– تؤ
– هل تكفيك هذه المهنة؟
– تؤ
– هل تعمل شيئا آخر؟
– تؤ
– لعاد يا عمي مالك؟.. حاسك مرتاح زيادة؟!!
– يا عمي شلت المرارة من زمان…!!

ولو أنصفت أنا لإنتحرت “طقيقا” كي أجنبهم أمراض المرارة وتقلصاتها…..!!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى