.بانتظار لا أحد..

[review]

مقال يوم الأحد 8-1-2012

وحيداً في غرفتي، في شقة 202، ببناية متواضعة في حي "البراحة" ..كان يجتاحني الحنين الى البلد..فأقوم بالبحث عن أشرطة سجلتها يدوياً في إحدى الاجازات…"عمان لنجاة الصغيرة".. "أنا الأردن ..لإسماعيل الخضر".."أردن ارض العزم لفيروز"…اسمعها وأنا مستلقٍ على سريري الحديدي أتخيّل طريق العودة من المطار إلى بيتي الذي غادرته منذ سنوات، اشعر بالمطر النازل على شباك باص الكيا الذي يقلني ..أتخيل لقائي بأمي  فور ولوجي من بوابة الدار، أتخيل ضجيج حارتنا وقت المساء ،مسبات اولاد جيراننا فيما بينهم والتي عادة ما تبدأ بفعل مضارع " ي..ح امك…يا اخو…الــ"، كما كنت اسمع في اذني  "مقاقاة ديكنا" وغنج وجلبة دجاجتنا اثناء مطاردة رومانسية، كنت اسمع احتكاك "الكفكير" بطنجرة المقلوبة ، وخرير المزراب على قطعة الكرتون،  من غربتي كنت اشاهد رقصة الحمام فوق سطح الدار استقبالاً لي بعد غياب..
***
وعندما يرتفع موج الشوق أكثر وأكثر  ويبدأ يرتطم الدمع بشاطيء الجفن…كنت اقود سيارتي نحو المطار..اركنها في موقف قريب، ثم امضي باتجاه صالة "القادمين"…
هناك  على لوحة حركة الطيران ، ابحث عن اقرب طائرة قادمة من عمان، اتمشى في الصالة "حتى يكتب باللون الأخضر: وصلت" ، اجهّز نفسي،  ارتب ملابسي وكأن الأردن كله قادم اليّ الليلة.
و بانتظار لا أحد ..كنت  أزاحم الواقفين، انظر الى ساعتي مثلهم ، أتفرّس الوجوه الخارجة من بوابة الجمارك، كنت اقرأ عيون المنتظرين، ارتّل قلق الأمهات،  اسمع احاديث مبللة بالشوق بين شقيقين..وعندما يبدأ ركاب الطائرة بالخروج من البوابة الضيقة وفي أيديهم جوازاتهم الخضراء المتوّجة  " بشعار الدولة"..كنت انسحب الى الوراء قليلا…وأبدأ اراقب لهفة اللقاء بين أناس لا أعرفهم ..ارتشف دفء الاحتضان ولو بعيني ، وأتذوق نكهة الابتسامة الأولى، قبلة الأم المشتاقة ، حضن الوالد الغائب ،دمعة الزوجة البعيدة..كنت  الملم من على سفرهم وملابسهم رائحة وطني ، لاقطّرها في زجاج عيني مونة  لسنة كاملة..وعندما تفرغ الملكية"حمولتها من بلدي..ويجر آخر أردني مسافر حقائبه ويمضي وذويه نحو مخرج المبنى..

كنت اظل واقفاً بانتظار " لاأحد" ، لا أتذكر خدر وحدتي الا بعد تنبيه مؤدب يطلقه عامل التنظيفات " sorry sir" ،بعدها أغادر مكاني لتمحو ممسحته ذات الذراعين الطويلين مكان قدميّ ..
ثم ، وحيداً في غرفتي، في شقة 202، ببناية متواضعة في حي "البراحة" / دبي ..كنت أطفىء ضوئي باكراً،وأتكور على سريري البارد باكراً..لأقطف يوما من روزنامة غربتي باكراً…
***
يا رب امنح سياسينا "قلب المغترب" ليحبوا وطنهم كما يجب.. 

مقالات ذات صلة

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com
 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى