لماذا يكتئب الناس في ٢٠١٧ م / د. بهاء الدين التميمي

لماذا يكتئب الناس في ٢٠١٧ م

لان لحومهم مهرمنه ، ومجمدة، ومحفوظة بالأملاح وبعضها مصنع ومعالج كيماويا من قبل شركات صناعية تهتم بالكمية والربح، بينما في الماضي اللحوم طازجة ونقية ، والآن الندرة و الموضة هي في الطعام الطبيعي الاورجانيك الذي يكلف ضعفي السعر العادي!

واسماكهم ومأكولاتهم البحرية في معظمها تحتوي على زئبق تسرب للبحار من شركات لا تعرف الله بل تعرف الربح، بينما لم يكن الزئبق مشكلة بيئية بحرية بالسابق!

وخبزهم ابيض أزالوا النخالة المفيدة منه لأسباب صناعية وتجارية، بينما في الماضي الخبز اسمر، والنخالة مفيدة

مقالات ذات صلة

ومشروباتهم صودا ، تحتوي على عشرات المواد الكيماوية والأحماض العجيبة، بينما الماء النقي كان خير شراب ، والعصير الطازج كان الأساس ، والآن لشرب اي مشروب يجب وضع مصاصة تتجاوز اللثتين لتذهب للحلق مباشرة، بالله عليكم هل هذا منطق؟ انا ارفض وضع غطاء لأي شراب ووضع المصاصة وأريد دوما ان تتصل شفتاي بِالشَّرَاب والماء والعصير لتكمل اللذة ويكون التّذوق في أتم حالاته!

وبدلا من الفحم الطبيعي والنار اللاهبة أتانا الميكروف ليسخن مأكولاتنا ويذيب حتى الأواني مع الطعام ليختلط البلاستيك الصناعي المقوى مع الطعام!

وحلوياتهم الان معبئة بالملونات الصناعية المسرطنة، وكميات سكر ضخمة،

وطريقة تنقلهم عن طريق سيارات تنفث السموم في الهواء ، وهي مغلقة النوافذ حتى لا يشتم احد الهواء النقي بل الهواء الصناعي، بينما في السابق الأحصنة القوية والبغال كانت أفضل وسيلة للتنقل، والآن الندرة في ذلك وقد يدفع البعض آلاف الدولارات لتعلم ركوب الخيل

والطرق الان مزدحمة في شوارع خالية الا من البلوكات الاسمنتية والدخان القاتل المنبعث من السيارات والضوضاء الصوتية التي تعكس توترا في طلب الرزق بينما في الماضي كانت الطرق محفوفة بأشجار ضخمة ونباتات فواحة وزهور رائعة لم تصلها يد التدمير الإنساني .

اما في الرفاهية فيدخنون سجائر تحوي الواحدة منها على ٢٠٠٠ مادة سامة منها النيكوتين، والقطران ، مواد فتاكة لو أعطيت سيجارة منها لفأر في مختبر تجارب، لاختنق ومات، بينما هناك دول صناعية ضخمة تحمي هذه الصناعة بحجة الربح والاقتصاد !

اما في الرياضة فكان الجميع في الماضي يتسابق بالركض او المصارعة او ركوب الخيل او السباحة بينما الان يجلس احدهم على أريكته وهو يشاهد على التلفاز الآخرين وهم يمارسون الرياضة بينما هو يأكل ويشرب و يلعن الفريق الاخر الذي لا يشجعه!

بينما في العلاقات الاجتماعية كان الشخص يذهب بالساعات والايام للقاء شخص او يرسل رسالة تأخذ اياماً للوصول فكان هناك عمق في هذه العلاقات، كان الابن يطمأن على أمه وأبيه بالذهاب إليهما وعناقهما بينما الان يكتفي الشخص بعمل تاغ على الفيسبوك لامه وابيه او رسالة نصية يبرئ ذمته امام الفرندز على الفيسبوك بانه أدى واجبه في صلة الرحم، كما ان المساعدة الاجتماعية بين الأصدقاء تحولت من لقاءات ومشي وركوب خَيل الى لقاءات حول الطعام والاكل مع نميمة عن اخرين.

وفِي خضم هذه المسماة ثورة تكنولوجية ضاع الدين وذهب الحياء وأصبح التدين ظاهريا وسطحيا ، وتحولت عبادة الله الى بروتوكول وعادات وتقاليد لم تدخل شرفات القلوب ولَم تنظف خبايا النفوس!

وسيطرت المادة على البشر، فأصبحت قوة الفتى ليس في عقله وذهنه وبدنه، بل في كمية الدولارات التي يملكها ، وقد يبيع الشخص اخاه من اجل حفنة دولارات لان الزمن اصبح استهلاكيا وفيه تنافس ضخم بين البشر لأخذ حيّز في هذا الزمن الصناعي الجارف .

وفِي الطب اصبح الامر تجاريا بحتا، فشركات التأمين تحدد اجر الطبيب ، والطبيب يقرر العلاج حسب قوة تأمين المريض وحجم دولاراته ، وقد لا يعالج احدا لا يملك تأمينا، فانسانية الطب ذهبت ادراج الرياح وضاعت في كتب أبقراط القديمة

وفِي الأمور العسكرية اخترع الانسان الديناميت والمسدس والبندقية حتى يتساوى الشجاع مع الجبان في الحروب وحتى يعم الدمار والقتل، ولَم يكتفي الانسان بذلك ولكن اخترع قنابل ذرية وهيدروجينية حتى يكون الفتك أعم واشمل ، وبالفعل جرب هذه القنابل على مدن قائمة بعشرات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ يمارسون عملهم اليومي لتنزل عليهم قنبلة تذيب لحومهم وعظامهم وتحرقهم في فرن ذري رهيب!

وفِي الأمور السياسية لم ينقطع منذ بدء الخليقة فتك القوي بالضعيف ، واستغلال الانسان لغيره، بل لو استطاع الانسان قطع ارب إنسان اخر وباع كل قطعة بدراهم معدودة ليزيد غنى وجشعا وطمعاً ما قصر!

قد يقول قائل ولكننا الان نعالج الأمراض بطريقة اكثر فعالية وقضينا على كثير من الأوبئة، وتطور العلم وتطورت الصناعة والآن تذهب من بلد لآخر عن طريق طائرات ضخمة في ساعات، أقول لهذا القائل وهل جعلت هذه الأمور الانسان اكثر سعادة؟ وهل جعلته اكثر حباً ومودة لاخيه الانسان؟ وهل جعلته أكثر مساعدة للضعيف والفقير ؟

هل جعلت هذه التكنولوجيا الانسانُ إنساناً هل زرعت فيه قيماً لم نعد نتذكرها، ماذا فعلت هذه التكنولوجيا بالاخلاق ؟ هل تخلت عنها؟

وهل تحتاج هذه الثورة التكنولوجية الى روح وايمان ودين ونظم اخلاقية تضبط مسارها وتخفف من عبئها وضغطها الهائل ؟

هل كلما اخترع الانسان شيئا جديدا تمادى في عربدته، وتمرده، وجموحه ؟ وآخرها ثورة التلفونات الذكية والتلفزيونات الذكية، والاجهزة التي زادت ذكاءا ولكن من اخترعها زاد تعاسة وشقاءً فترى الطفل صاحب العشر سنين ينزوي في غرفته وقد حاز على الدنيا في جهازه الذكية يمعن لساعات في مراسلة أصدقائه على الانترنت ووضع صوره وهو يأكل ويمشي ويضحك ويبكي ويصلي منتظرا رأي الناس في صوره وإلا اكتئب من قلة تجاوب اصدقائه!

تساؤلات كثيرة اطرحها تحتاج اجابة ، وهل نكون إيجابيين في توقعاتنا للجيل القادم، هل يكون اكثر سعادة أم شقاءا

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى