لكن.. ولدي له رأي آخر / سعيد ذياب سليم

لكن.. ولدي له رأي آخر
سعيد ذياب سليم

مقعدان، ومقهى صغير، في ظل شجرة عجوز ضخمة ، يحتمي بها بعض المسافرين، في انتظار حافلتهم لتحملهم الى البعيد ، شجرة خرساء يغطيها الدخان و الأتربة التي تحملها إليها الريح ، تهزها تارة وتراقصها أخرى، تلعب بها المواسم كأنها دمية صغيرة، تُلبسها الأخضر والأصفر ويغطي عريها الشتاء بكسائه الأبيض ، ليس لها رأيا ولا تملك من أمرها شيئا ، هكذا يريدنا بعض أبنائنا أن نكون، شجرة خرساء في فناء البيت، توفر الفيء للعابرين، حتى ينهكها الوقوف.
نحن الذين دارت بنا الدنيا ، ركبنا الريح ولم نستسلم لها، تجاوزت بنا أحداث قرن مضى و ألقت بنا في حضن قرن جديد، وما زلنا نقارع الاحداث ، نشحذ حد السيف، ونجمع عزيمتنا، نلعق جراحنا في نهاية كل نهار، ونستقبل المساء، نرسم أحلاما جديدة ، ونحتفل بانتصاراتنا الصغيرة، نرتشف قهوتنا المرة ونبتسم.
ربما جئنا من زمن آخر، عالم مختلف، كان للجمال فيه قواعد وتعريفات أخرى، نتذوق بها الموسيقى بطريقة مغايرة، رسم بها الشعراء لنا العالم في ضوء القناديل ، قصائد مغناة، ترى فيها شمس الاصيل ، وليل طويل ،يسامرنا، يستمع إلى تساؤلاتنا، ويكتب معنا الرسائل بطريقة الأدباء، لنعيد صياغتها مرارا قبل أن تأخذها المسافات البعيدة، على وقع خطى مختلف.
اليوم أعصابكم نافرة، تركض كالخيول ، تلاحق رسائلكم النصية، التي تسير بسرعة الضوء، ينهكها التعب فتتسع الهوة بين رسالتين وكأنها الهوة بين جيلين، تخدعكم العوالم الافتراضية، بأيقوناتها ويصبح واقعكم غريبا عنكم و أنتم عنه.
كان لنا ثوابت لا تحيد، كبارنا أعمدة تنير لنا الطريق، يحملون في صدورهم حبا و أسفارا تكشف لنا السحر و الغموض، هي خلاصة معاركهم مع الحياة، أما نحن و إياكم فقصتنا مختلفة، تنظرون لنا ولا ترون و تستمعون ولا تسمعون.
ما بالنا و إياكم فقدنا لغة التواصل و التفاهم والنقاش؟ وبتنا أعداء ، أهي أزمة قيم وثوابت، لم تستطع الصمود أمام ثورة الشباب في وجه الأصالة ، أم أنها وسائل العصر التي أخرجت الزمان و المكان من مفهومه التقليدي، و أصبحت تقاس بالثواني بدل الأيام، وبآلاف الكيلومترات بدل مسيرة اليوم والليلة؟
هي السرعة والمعرفة و إيقاع زمانكم، فقد كنا نحلم و نبحث عن علاء الدين و مصباحه ليخرجنا من أزماتنا، أصبحت أجهزتكم الرقمية تقوم بآلاف العمليات في الثانية الواحدة، تستخدمونها لتصلون إلى مناطق لم ترقى لها أحلامنا.
لكن أساسيات الحياة، و شرائعها في المحافظة على الإنسانية ثابتة، و المنطق الذي تسير عليه القوانين لم يتغير، وقيم كالعمل و الحب والجد والمثابرة لها الدور الأكبر في الوصول إلى النجاح، ربما لنا وجهتا نظر مختلفتان، هما وليدتي تجربتين عايشتا ظروفا مختلفة، إلا أن ما يحركنا هو الحب لكم و الحرص على مصالحكم، نمد لكم أيدينا ونهبكم ثمرة حياتنا، فهل تتفهمون مواقفنا أم أن لكم فيها رأي مختلف؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى