لَكَ الخُلــود أيُّـــــــهــــــا الغائِـــــــب الحاضِـــــــــر

بسم الله الرحمن الرحيم
(لَكَ الخُلــود أيُّـــــــهــــــا الغائِـــــــب الحاضِـــــــــر)
(في ذكرى ميلاد المرحوم جلالة الملك الحسين بن طلال المعظَّم)
بقلم : الأستاذ عبدالكريــم فضلو عقاب العــزام
يا سيِّـــــــــدي يا أبا عبدالله:
في عيد ميلادك نحتفل ويحتفل الشَّعب الأردني كما لو كُنْتَ حيّاً.
وفي عيد ميلادك يحق للأمة أن تندب حظَّها، و تذرف الدموع على ما فرَّطَت بجانبك، و على أنَّها لم تُدرك و لم تــعِ ما كُنتُ تُسـدي لها من نصائح، لأنّ أقوالك و نصائِحك كُنتَ تعرفُ أنّها نتاجات المستقبل، ولا يستشرف المستقبل إلَّا من خَبِــــرَ الحياة، واطَّلع على تقلُّبات الزمن.
يا سيـــــــــدي:
نحتفل و يحتفل الشعب الأردني بعيد ميلادك كُل عام، لأنّك ما زلت تعيشُ في قلوب الأردنيين، يحتفظون بصورتك في عيونهم و قلوبهم. صورة ابتسامتك التي كانت تُزيِّنُ مُحيَّاك دائماً، ابتسامة الأب لأبنائه و هو يُقدِّم لهم كل يوم و كل شهر و كل سنة ما هو جديد و ما كنت تجلب لهم و لأسرهم من خير وما كنت تبنيه في كل محافظة ومدينة و قرية لخدمتهم.
يحتفل الشعب الأردني كما لو كنت حياً، لأنهم يرون صورتك كل يوم في كل مدرسة و جامعة بنيتها، و مستشفى شيدته. يرون صورتك على كل مسجد أعليت مآذنه ليصدح بصوت الله أكبر، و على كل كنيسة ملأتها بروح المحبة والسلام و إحياءِ تعاليم سيدنا المسيح.
يرون صورتك و أنت تعبر شوارع العاصمة عمان، و مدن و قرى و بوداي و مخيمات وطنك، لتطمئن على شعبك، و لترى ثمرة جهدك، و ترجو بذلك وجه الله، أن يجعل كل ذلك بميزان حسناتك.
يحتفل الشعب الأردني، عندما يرى نفسه بمكان سيدنا ابراهيم عليه السلام، يعيش الحياة برداً وسلاماً، و نارُ الفتن والأحقاد والدسائس تشتعل من حوله.
يحتفل شعبك يا سيدي و هم حزانى على فراقك لأنهم فقدوا من أسَّس و أقام ركائز هذا الحب و هذه المودة بين أفراد الأسرة الأردنية الواحدة، لأنَّه الوحيد بين كل الزعامات الذي عرف واقع الأمة، و ما تعيشه من تناحر و خيبة. قدم كل ما يستطيع لإصلاح واقع الأمة، و لم يترك محفلاً إلا كان يُبصِّرُ فيه الامة وقادتها بما سيأتي به المستقبل، ولمّا وجد أنَّ نصائحه لا تجد أُذناً صاغية، و أنّ كل زعيمِ مُعتَد برأيه دعا الله وهو ابن الانبياء أن يحفظ الأردن، فأُعطي كرامة سيدنا نوح.
أمّا الأمة يا سيدي:
فيحق لشعوبها أن تبكي، و يحق لقادتها أن تندب، لأنها لم تستجب لتوجيهاتك، و لم تعرف مقصدك، و مدى حُزنِـــــك على الأمة و شعوبها، عندما قلت عام 1990 عندما رجعت من السعودية، وأنت تصل الليل بالنهار متنقِّلاً بين الدول لإصلاح ذات البين، و لتلافي المصيبة قبل وقوعها، و لم يستجيبوا لك. قلت حينها و عند عودتك للأردن مباشرة و من خلال خطاب عظيم، قلت:
أضاعوني و أيَّ فتىً أضاعُـــوا………………… ليـــــومِ كريهـــــــةٍ و ســـــــداد رأيِ
وقلتَ فيـــه:
(لقد دخلت الأمّـــة في نفقٍ مُظلم).
ولعلَّ هذا الخطاب يُحاكي خُطبة جَدِّك في خُطبة الوداع: ( ألا هل بلَّغت، اللَّهم فاشهـــد).
في هذا اليوم تذكُرك أرامل الأمَّــــــــة والثكــــالى، يذكرك اليتامى اولمشردون، يذكُرك من ابتلعهم البحر و هم يستغيثون، يذكُرك الأنقياء والأتقيــاء عندما يَرون الرُّويبضة يصولون و يجُولُــون، لا تهزُّهم دمُــــوعُ الأطفالِ ولا جُوعُهم، ولا تهزُّهم المقدَّسات و العبث بها فساداً وإفساداً.
يا سيدي:
نَـــــم قريــــــرَ العيــــــــن، فقد فعلتَ ما يُرضي الله إن شاءالله. فشعْبُك بخيــــــــر يا سيِّــــــدي، و إن كان مَحزُوناً على مايجري مع أشِقَّائِـــــــه العرب و ما ينتظر الأمَّة من فتن. فالمسيرةُ والحمدُ لله مُستمِرَّه والخيـــــر كُـــــل الخيـــــر في وريـــث عرشِك جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم.
و جميعُنا ندعوا لك في كُلِّ صلاة أن يتغمّدك الله بواسع رحمته وأن يحشُرك مع النبيين والصديقين والشُّهداء وأن تكون إلى جوار جدِّك المصطفى (ص) في الجنَّــــــة و على الحَوض المورود.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى