إكراميّة متواضعة / رامي علاونة

إكراميّة متواضعة
كان يتسوق في شارع “إدجوار” او ما يطلق عليه اللنديون إسم “شارع العرب”. شعر بشئ من الجوع، فذهب لتناول العشاء في أحد المطاعم اللبنانيه الشهيره.
حيّاه أحد النُدُل و أخذ عنه معطفه الكشمير. أحضر له النادل قائمة الطعام، فاختار منها بعض الاطباق و جلس ينتظر حتى وصول طلبه.
كان أحد الندل يقوم بخدمة احد الزبائن على الطاوله المجاوره، فسمعه يتحدث على الهاتف بلهجه أردنيه.
اقترب منه النادل عندما انهى مكالمته:
مساء الخير، حضرتك أردني؟
صاحبنا: نعم، أردني.
النادل: اهلا و سهلا، أنا أردني.
صاحبنا: اهلا، تشرّفنا.
النادل: والله الواحد “بفرفح” قلبه لمّا يلاقي اردني هون! بِشّم فيه ريحة البلاد.
صاحبنا (مع إبتسامه خفيفه): اكيد، شو بتعمل هون؟
النادل: مِثل ما انته شايف، بشتغل هون.
صاحبنا: كم صارلك هون؟
النادل: صارلي بالمطعم سنتين. أجيت هون على لندن قبل ٣ سنين، درست ماجستير و ضليت هون أشتغل.
صاحبنا: ما شاالله عليك! لكن اللي معه ماجستير من لندن شو جابره يشتغل بمطعم؟ ليش ما ترجع عالبلد؟
النادل (بِحُرقه): أرجع عالبلد! آآآخ عالبلد! ما انته عارف الوضع بالبلد… فساد و واسطه و محسوبيّه، و نهب!
و بعدين شو بدها تعملّي شهادة لندن؟ بدها تعملني قنصل بالخارجيه؟ ولّا مُحافظ بالداخليه؟ ولّا مستشار برئاسة الوزرا؟ ولا رئيس مجلس إدارة شركه وطنيه؟ خليها على اللة يا قرابه!
صاحبنا: على اللة، بَس لازم تكون متفائل. عفواً يعني واحد دارس بلندن بتوقّع يكون وضعه منيح. ليش ما ترجع تعمل بزنس على قد الحال؟
النادل: والله يا قرابه لا هو “منيح” ولا يحزنون. الحجي اللة يرحمه باع “دِلمين” الأرض اللي حيلته عشان يدرّسني هون. كان يفكر الدنيا بعدها دنيا! بدريش انها تبدّلت غزلانها قرود!
على كل حال، حضرتك ما قلتلي قديش صارلك هون.
صاحبنا: صارلي هون كم سنه.
النادل: ما شاالله عليك شكلك “جنتل”، حضرتك بروفيسور بجامعة؟
صاحبنا: لا
النادل: دبلوماسي؟
صاحبنا: لا
النادل: لعاد “بزنس مان”؟
صاحبنا: يعني بتقدر تقول هيك.
النادل: طيّب ليش حضرتك تارك البلد؟ يعني كمان البلد بحاجة الناس الغانمين شرواك!
صاحبنا: ما بقدر أشتغل حالياً بالبلد.
النادل: ليش؟ خير ان شاالله!
صاحبنا: في شوية مشاكل.
النادل: سرقوا مصاريك و نَصبوا عليك اولاد اللّذينَ؟
صاحبنا: لا
النادل: طيب شو نوع المشاكل؟
صاحبنا: إنحكم علّي بالسجن ظلم و بُهتان!
النادل: آآآه! و أنا بقول بحالي وين شايف هالسِحْنه!
أدار الشاب ظهره و ذهب الى الركن المخصص للنُدُل.
تناول صاحبنا العشاء ثم هَمّ بالمغادرة. اشار الى النُدُل ليحضر احدهم الفاتورة. كان الشاب الأردني اول من لاحظ إشارته، فتظاهر أنه لم ينتبه، ثم أخبر زميله الباكستاني ان صاحبنا يريد الفاتورة.
إستغرب النادل الباكستاني الأمر، فبالعادة يتسابق النُدُل على إعطاء الفاتورة للزبون، خاصةً عندما يكون زبون “مِحرز” مثل صاحبنا.
اخذ النادل الباكستاني الفاتورة و أعطاها لصاحبنا. دفع صاحبنا قيمة الفاتورة و اعطى الشاب ١٠٠ باوند إكراميّة نكايةً بالنادل الأردني.
عاد الشاب الباكستاني فرحاً الى مكان تواجد زملائه و أخبرهم عن الإكراميّة السخيّة التي حصل عليها.
عندها همس الشاب الأردني في أذن زميله الباكستاني. إمتعض الشاب الباكستاني و هَمّ باللحاق بصاحبنا ليرجع له المبلغ.
اوقفه الشاب الأردني ممسكا بذراعه، أخذ منه ال ١٠٠ باوند، و تناول مغلفاً من أحد الأدراج القريبه.
كتب عليه بعض الكلمات ثم وضع المبلغ بداخله وضعه في جيب زميله الباكستاني. أخرج الشاب الباكستاني المغلف و قرأ ما كتب زميله:
“إكراميّة متواضعة من الشعب الأردني لأبو نَسَب”ْ.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى