لأنَّ الإيطاليين كفار / وليد معابرة

لأنَّ الإيطاليين كفار …
وليد معابرة

لم أزل مصراً على أنَّ مواقع التواصل الاجتماعي تقسم إلى قسمين، قسم يتبادل فيه المشتركون الثقافات ويكتسبون من خلالها المعارف، وهذا ما يسمى بمواقع التواصل الاجتماعي، وقسم آخر يتداول المشتركون فيه صور “السلفي” ويتبادلون الشعارات الزائفة التي يلصقونها بتاريخ بلدٍ وحضارة أمة من جهة، ويهدمون الموروث الثقافي القائم على مجموعة من القيم الاجتماعية والإنسانية والدينية من جهة أخرى، وهذا القسم الذي اجتهدت بتسميته بـ “مواقع التفاصل الاجتماعي”، كونه يفصل بين الواقع والحقيقة ويسقط المعنى الحي للثقافة الراقية، بل أنَّه يسطو على مفهوم الحرية الشخصية وينتهك المعاني السامية للخصوصية.

لقد وصل الأمر عند العرب والمسلمين في أن يتم إعداد البرامج الوطنية المتلفزة للحديث عن بلدٍ عريق بثقافته ووعي شعبه، فيأتي الإعلامي الفذ بطرح السفاهات والأسئلة المتكررة التي تتضمن الحديث عن شعار وطني يعود لنفس البلد، فيتبين لك في نهاية المطاف أنَّه يتحدث عن “سدر المنسف” فيجعله شعاراً أردنياً يعكس ثقافة المجتمع، مما يجعلك تتساءل، هل للمنسف دور في إحياء ثقافة شعب؟ وهل تتجسد بطولات ذلك الشعب في ذاك الشعار؟ بل ويتجاوز الأمر أنك تبدأ بالسؤال عن مخترع ذلك النوع من الطعام الذي يأكله الإنسان كأي نوعٍ من الأطعمه التي وجدت من أجل استمرار العيش، ولم تكن موجودة يوماً من الأيام من أجل استمرار الحياة.

إن ما استثارني لكتابة هذا المقال، هو أنني علمت مؤخراً أنَّ المصوِّرة “جورجيا هوفر” وهي من جنسية إيطالية قد قامت قبل مدَّة من الزمن بمتابعة حركة القمر لمدة ثلاثين يوماً والتقاط ثلاثين صورة له، مستخدمة مفهوم “الزمكان”، أو ما يسمى باللغة الإنجليزية الـ “Space Time”، بحيث يتم التقاط الصور ضمن الفضاء المؤلف من الأبعاد الأربعة: (الأبعاد المكانية الثلاثة المكوَّنة من العرض والطول والارتفاع)، مضافٌ إليه الزمن كبعدٍ رابع، وهو ما يشكل مفهوم “الزمكان” المعروف في عالم الفيزياء، والمنحوت من كلمتي الزمان والمكان معاً.

مقالات ذات صلة

إنه من المؤكد أنَّ المصوِّرة الإيطالية “جورجيا هوفر” المسكينة ليس لديها “سدر منسف” يشغلها لالتقاطه ونشره ضمن صفحات التفاصل الاجتماعي، كما أنَّها تفتقر كثيراً إلى فنجان قهوة أو صحن من الحمص أو “منقوشة” ساخنة من الزعتر وكأسٍ من الشاي، بل أنَّها لم تحقق طموحها الأكبر في تصنيع رأس “الأرجيلة” ووضع شوكلاته “السنكرز” على حافة صحنها لتتشارك بها مع أصدقائها، بل إنَّها لا تمتلك هاتفاً ذكياً تلتقط من خلاله صور “السلفي” مع “خاروف العيد” للبحث عن الشهرة والتقرب إلى الله وتطبيق المثل القائل: “صِيتُ غَنِيٍّ وَلَا صِيتُ فَقِيرٍ”، أضيف إلى ذلك أنَّ تلك المصوّرة كانت على علم ودراية تامة بأنَّ الرابطة الأمريكية للطب النفسي قد أكدت في تقرير لها أنَّ التقاط الناس صوراً ذاتية لأنفسهم أو ما يطلق عليه بصور الـ “Selfie” هو اضطراب عقلي يستخدمه الناس ليكون وسيلة للتعويض عن عدم وجود الثقة بالنفس، ولسد الفجوة في العلاقات الحميمة كما عرفه “سلفيتيس”، فضلاً عن أنَّ المصوّرة الإيطالية “جورجيا هوفر” لا تمتلك الثروات القومية الذاتية المكوَّنة من “سدر المنسف” وفنجان القهوة وحبات “الفلافل”، وإنَّ عدم امتلاكلها لتلك الثروات أدى بها أن تشطح في أقطار السموات والأرض لإثبات حالة فيزيائية كونية تشير إلى إحداثيات القمر والمسار الذي يدور فيه كما جاء في بعض القواعد والنظريات العلمية المعروفة؛ لتُظهِرَ للعامة الشكل الرياضي لمنازل القمر خلال الشهر القمري الواحد بصورة خلَّابة تجعل المتلقي يتفكَّر في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار.

خلاصة القول: إنَّه من حقنا أنَّ نكون مهوسين بشخصياتنا فننعت أنفسنا بالمسلمين، ومن حقنا أيضاً أنَّ نتهم الإيطاليين بالكُفرِ، كما أنَّه من حقنا أنَّ نكون عِلمِيين وباحثين عن التطوُّر العقلي في التقاط صورة ذاتية في الصباح، وصورة أخرى في المساء، وصورة ثالثة قبل النوم، فضلاً عن التقاط صورة قبل الأكل وصورة أخرى بعد الانتهاء منه، لمقارنة تلك الصور وإدراك مدى التطوُّر الخَلقِي والخُلُقِي ومدى النمو العقلي في الفترة بين التقاط الصورة الأولى إلى انتهاء اليوم بالتقاط الصورة الأخيرة، والأجمل أنَّ تكون تلك الصور بجانب “طنجرة” من “المحاشي”، كوسيلة للتعويض عن عدم وجود الثقة بالنفس وسدَِ فجوات الازدواجية والعته.

أخيراً؛ كوني إنسان عربي لا يستطيع أن يتخيَّل حضارات الأمم الراقية والاقتداء بها؛ فإنني أدعوكم ونفسي لزيادة الارتباط والبحث عن الشعارات التي تنمِّي القيم الاجتماعية والدينية بالتقاط الصور التي تحتوي أطباق “الحمص” و “الفلافل” وتقديس الشعار الأردني المرتبط بالثروة القومية المتجسدة “بسدر المنسف” ومشاركتها عبر صفحات “التفاصل الاجتماعي” لزيادة التنمية الحقيقية وتوسيع رقعة الثقافة العربية المعاصرة، لكي نستطيع بناءَ فَلَكٍ ثقافي نحارب به الأمم ونتغلَّب عليها، وليكن شعارنا “معاً لنَحفر القبور ونَحِيك الأكفان للإسراع في المغادرة الإجبارية والانسحاب من التاريخ”، ولا أنسى أن أدعوكم برجاء ألّا تسيروا على ما سار إليه المتقدمون في الحضارة، وأرجوكم أرجوكم ثم أرجوكم، وبعد الرجاء أرجوكم لا تقلِّدوا الإيطاليين… لأنَّ الإيطاليين كُــفــَّـــــــار.

#الكاتب_وليد_معابرة
#الكاتب_الساخر_وليد_معابرة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى