قـَتــَلة سدين

قـَتــَلة سدين
مقال الإثنين 5-6-2017
النص الأصلي
مجرّد صداعِ لا أكثر..أحسّت به الطفلة الجميلة “سدين سامي الفسفوس” من بلدة كفريوبا، تغذّى على آلامها إهمال الطاقم الطبي والتمريضي في مستشفى الأميرة رحمة ليسجل موتها مفارقة مبكية ، مبكية أن مستشفى “رحمة” فيه كل شيء الا الرحمة!.
لم أستطع ان أتمالك نفسي وأنا أشاهد تقرير الزميلة الإعلامية المتألقة هناء الأعرج على قناة الأردن اليوم وهي تلتقي أهل سدين لتُسمع كل من له ضمير حي معاناتهم وأوجاعهم ، أهلها الذين جرّعوا كل من شاهد المقابلة الوجع المرّ وأمطروا الدمع من عيوننا عنوة عنّا برغم كل محاولات التماسك البائسة ،ليرووا قصة كل عائلة أردنية فقيرة لا حول ولا قوة ولا سند ولا مسؤول ولا فاسد يحميها او يلفت الأنظار اليها ، لنطوي مقولة الإنسان أغلى من نملك وتستبدلها بمقولة البيروقراطية ،الإهمال، الترهل،الوحشية، التجبّر بالضعفاء أغلى ما يملك الجالسون على كراسي المسؤولية والقرار..
تروي الأم قصة ابنتها الجميلة سدين ،وكيف دخلت المستشفى الحكومي التعليمي ،بغياب تام لطبيب أعصاب في هذا المستشفى ، وبتشخيص خاطىء شخّصه الطبيب الموجود هناك الذي لا نعرف من أي جامعة قد تخرّج وكم سنة في الطب أمضى وكيف تعيّن ليؤتمن على صحة بشر وأطفال لا ذنب لهم الا أنهم يتألمون كما يتألم كل أطفال الدنيا كان تشخيصه “توسع في حجرات الدماغ” أطلق حكمه وأدار ظهره دون مبرر لهذا التوسع المفاجىء ..الجريمة لم تتوقف بعدم وجود طبيب أعصاب بكشف على الراحلة سدين في المستشفى ، الجريمة بدأت منذ أن رفض الطبيب إجراء صورة طبقية لها ما لم يؤمّنوا “الخمسين” ديناراً ثمن الصورة في تلك الليلة حيث لم تملك العائلة هذا المبلغ لحظة الدخول ، ليستمر مسلسل استمراء الجريمة باستهتار الممرضات المسؤولات عن الطفلة والشكوى من صراخها المرتفع بسبب الألم الذي لم تكن لتحتمله بجسدها النحيل الرقيق، بقيت على هذا الحال ثلاثة أيام بعد أن رفض المستشفى تحويلها الى مستشفى الملك المؤسس ما لم يحصلوا على “إعفاء” الذي يحتاج على الأقل الى 3 أيام أخريات ،في هذه الأثناء كانت حالة الطفلة تزداد سوءاً ،وكانت شمعة عمرها تذوب بين الوجع والانتظار.
في يوم الوفاة طلبت سدين من أمها ببراءة وعيون دامعة “جدلي لي شعري يا ماما”..لم تعرف الأم سرّ الطلب ،لم تكن تعرف أنها تتهيأ لأن تغادر الدنيا وهي بكامل طفولتها..في ذلك اليوم تقوم إحدى الممرضات بإعطاء الطفلة حقنة مخفضة للضغط دون ان تقيس ضغطها فتدخل في تشنّج شديد، ثم دخلت بتشنج أقوى أدخلت الى العناية الحثيثة بعدها بدقائق..وحتى يخلي الطاقم الطبي مسؤوليته يقبل تحويلها الى مستشفى الملك عبدالله المؤسس هناك تصل سدين بحالة موت سريري ما لبثت ان غادرت الحياة بعدها..المفاجأة أنها لم تكن تعاني من “توسّع في حجرات الدماغ” كما شخّصت ولو حوّلت في اليوم الأول لتعافت في اليوم التالي لكنه قضاء الله وقدره وإهمال وجهل من تولّوا الحالة.
سؤالي قبل ان يطوى ملف الجميلة سدين..هل يطلب من المواطن “إعفاء” حتى يصبح إنسانا يستحق العيش والعلاج؟ هل مجرّد بقائنا على قيد الحياة صار بحاجة الى مكرمة ومنّة و”إعفاء” يماطل به المتبلّدون على الكراسي وأصحاب القرار..بالمناسبة سدين ليست الأولى ولا الأخيرة قبلها غادر الكثير من الأطفال بأخطاء طبية وبإهمال صحي ووحشية بشرية كان يتعامل معهم القطاع الطبي كآلات معطوبة لا أرواح وأجساد وحضور وذكريات..
رحلت سدين وحقيبتها المدرسية ما زالت في مكانها ، لم ينته الفصل الثاني بعد يا سدين وما زال في دفاترك بعض البياض وبعض الصور في الكتب لم تلوّن..ماتت سدين تاركة ملابسها وألعابها وصورها على هاتف والدتها وضحكتها التي لا تغيب أبدا..رحلت سدين ولم تستلم شهادة الصف الثالث ،فما زال اسمها في سجل الطالبات حاضراً وصوتها حاضراً وفراشها الدافئ حاضراً…
كلكم قتلة سدين، القانون الذي لا يعترف بإنسانيتنا الا إذا وقّع الآمر بحياتنا وعلى أحقيتنا بالعلاج موظف متكاسل ، كلكم قتلة سدين ، انت يا رئيس الحكومة وانت يا وزير الصحة ومدير المستشفى والطبيب عديم الكفاءة والممرضة “وكيلة الموت” كلكم حرم جدائل سدين الشقراء من العيش والحياة…كلّكم ساهم في موتها الموجوع وفي دمعنا الذي لا يجف..لا أعرف كيف لم تهتزّ قلوبكم لتلك العبارة الدامعة الدامية التي لفظتها قبل الموت :”جدلي لي شعري يا ماما”…

* أخي القارىء ابحث عن المقابلة التلفزيونية مع ذويها ..وستعرف حجم الألم الذي كتبت فيه حروف هذا المقال.

أحمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫15 تعليقات

  1. عند الخطأ المؤدي الى الموت لا يحق لنا ان نبحث عن اعذار .. أمام الخطأ المؤدي الى الموت إن لم نستطع ان نحاسب نتمنى ان يقف المسؤول الصغير منهم والكبير أمام نفسه ليحسابها قبل أن يحاسبهم أحكم الحاكمين … عند الخطأ المؤدي الى الموت وانكسار روح ام وأب واخوة ورفاق … لا يحق للمسؤول ان يتغاضى عن الجريمة .. وإلا فسيكون الحساب عسيرا من الله شديد العقاب

  2. لاحول ولا قوة الا بالله، الى رحمة الله ان شاء الله، اللهم الهم ذويها الصبر على هذا المصاب الجلل

  3. والله يا عزيزي زوجي دخل مستشفى خاص بإربد بداية واشتباه جلطة وجابوله اخصائي كلى ومسالك بدل اعصاب ودماغ طبعا ما قدروا حتى يصحوه جنابه ييجي طوارئ عالفجر اجا بعد ٤ ساعات وعملوا ادخال لزوحي تحت اشرافه وقال خلوه تحت المراقبة واذا القارئ راقب هو وفريقه راقبوا وبعد ٢٤ ساعة صابته تشنجات والحمدلله من فهامة الدكتور سلخه ٣ ابر فاليوم وادخله بغيبوبة ٤ اشهر وبس صحي شلل كامل ما بتحرك الا عيونه وسنتين ونص طريح الفراش الله يرحمه والله لا يسامح كل دكتور بشتغل بغير مجال نخصصه وحسبي الله ونعم الوكيل فيهم

  4. لو حصل ماحصل لسدين مع قطة أو كلب في مستشفى بيطري في أوروبا لقامت الدنيا ولم تقعد أقل شيء إسقاط الحكومة ومحاكمة وزير الصحة ومدير المستشفى للأسف أرواح الحيوانات في الدول الأخرى أغلى من أرواح أطفالنا في بلدنا

  5. الى متى سيبقى الطبيب الحلقة الاضعف…. هنالك نظام يحكم عمله ولا يستطيع الطبيب تجاوزه وخصوصا الطبيب المناوب بالطوارئ… وسواء التزم ام لم يلتزم بالنظام والاجراءات بيطلع الحق عليه…. صحيح مو كل الاطبا ببلادنا بيستاهلوا يكونوا اطبا بس برضو هذا مو مبرر انه الطبيب يظل هو المحقوق… لما توفرله الظروف المناسبة حاسبه… يا رجل ما في اطبا اعصاب في كل المستشفيات الطرفية هذول بس بعمان فلا تحملوا اطبا الطوارئ فوق طاقتهم

    1. صديقي العزيز الطبيب بتحمل المسؤلية لما يعطي تشخيص خاطىء لانه عيب دكتور ويقول ما بعرف هون بيجي ابو العريف بيشخص غلط وبتحصل المصيبه لانه متل ما اهل الاردن كلهم بيعرفو اشطر بالحارة الي بيدرس طب

  6. القاتل هو من يقوم بتعيين الفاسدين في المناصب العليا لضمان كرسيه. متى سيثور الشعب على الفاسد

  7. رحمة الله على الطفله الضحيه وصدقت بمقالك بتفسير “مقولة الانسان اغلى ما نملك” ومسؤولينا يفسرونها ايضا بفهمهم وممارساتهم بانه كذلك ولكن كبقرة حلوب.
    ومسؤولينا اشبعونا تصريحات بان التأمين الصحي يشمل جميع الاردنيين وتصريحات وزراء الصحه منذ اكثر من عقد من الزمن بان الاطفال مشموليين بالتأمين الصحي 100%، فلا ادري عن اي تأمين صحي يتحدثون؟ وهو وان كان فهو استجداء لاعفاء طبي او بزيارة مركز طبي لا تأمن العلاج فيه بل تأمن اصدار شهادة وفاة.

  8. الى رحمة من الله و رضوان,, موعدك يا سدين مع قتلة الطفولة بين يدين الله,,,,,بسم الله الرحمن الرحيم (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ )

  9. اللهم انتقم. اللهم انتقم. اللهم انتقم. آمين يا جبار يا متكبر يا عليم يا عدل.

    لك الله يا حبيبتي سنين ونعم بالله. اشكيهم كلهم له تعالى ولا تغادري منهم أحدا ثم نامي قريرة العين فإن من شكوى له لا ينام ولا ينسى.

  10. في قانون اقر مؤخرا بيمنع الطبيب من انه يتساعد مع الاهل بهيك حاله ، و بفرض عليه فيما لو تساعد معهم و أدخل المريضه او عمل الها الاجراء الطبي بدون ما تندفع التكاليف مقدما انه يدفع تكاليف العلاج من جيبته ، حتى لو هالحاله كانت طارئه …
    يعني المريض و الطبيب في وضع لا يحسدون عليه …

  11. وزارة الصحة تعاني من نقص حاد من الاطباء ..وهناك بطالة كبيرة بين الاطباء… معادلة غريبة لكن هذا الواقع… فالطبيب في المراكز والمستشفيات الحكومية يرى في اليوم ما يقارب ال 200 مريض فمن الطبيعي ان لا يعطي كل مريض حقه في التشخيص والعلاج …. فلنعالج الممشكلة من اساسها ونوفر ارضية مناسبة للطبيب حتى نقوم بمحاسبتة حينئذ على كل صغيرة وكبيرة ….

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى