«الآن فهمتكم».. سخرية جميلة من ألم مزمن

احمد الطراونة- كان سعدالله ونوس يؤكد أن مهمة مسرحه ليس الإمتاع والتسلية، وإنما هدفه أن يمسرح الفعل ويتطلع إلى تحويل وعي البشر كى يقوموا بتحويل واقعهم، ويرى «ونوس» في المسرح إحدى الأدوات الهامة المؤثرة والفاعلة فى تغيير النظم الفاسدة والظلم الواقع على الأمم، لذا كان هدف « ونوس» من استخدام القضايا السياسية والإجتماعية والاقتصادية هو حسن توظيفها، والاقتراب منها والتعرف عليها بحق. وهكذا يقترب معنى التسييس عند « ونوس « من الهموم السياسية وصولاً إلى إيقاظ وعي الجمهور ودفعه إلى الفعل دون الاستسلام.
فرقة المسرح السياسي والتي جاءت بعد غياب طويل، تسعى من خلال باكورة عملها «الآن فهمتكم» إلى تقديم خطاب مسرحى سياسى غاياته ان يكون معبراً عن تحولات اجتماعية وسياسية وإقتصادية مرت بها منطقتنا العربية بحيث يحقق هذا الخطاب غايته في الدعوة إلى التغييرات الملحة التي فرضتها أجواء التحولات.
فرقة المسرح السياسي التي تشكلت من الفنان المبدع موسى حجازين وعدد من الفنانين الواعدين، كتب لها الكاتب الزميل أحمد حسن الزعبي مسرحية «الآن فهمتكم»، واخرجها مخرج الاعمال الكبيرة المبدع محمد الضمور، وستكشف الايام القادمة عن اهمية وقدرة هذه الفرقة على التأقلم وتقديم ما هو جدير بالاحترام استناداً إلى تجربة «الآن فهمتكم»، والتي تعرض الان يوميا على خشبة مسرح «الكونكورد»، باستثناء يوم الإثنين.
في الاردن لا غنى للناس عن الحديث بالسياسة خاصة اذا كانت السخرية منها هي أصل الحديث، ولعل مسرحة الفعل السياسي هي من يقدم وجبة حقيقية ممزوجة بالالم والدمع والسخرية من كل ما يحدث وما يدور حولنا من الم ووجع خاصة اذا ما كان موسى حجازين هو من يسخر.
«الآن فهمتكم»، و»تحدي الفهم»، لا فرق كبير بين المفهومين استناداً لما يدور في الشارع الاردني العصي على الفهم، لكن امام حجازين لك ان تفهم كما تشاء وانت تبكي احيانا وانت تضحك احيانا اخرى، فالواقع مهما تم تجميلة محزن للغاية والخوف من القادم يعتلي جباه الناس، لكن حجازين يحاول ان يبسطه تارة ويحاول ان يظهره بشكل تراجيدي مخيف، وسط متابعة حثيثة لكل ما يجري يوما بيوم.
كاتب العمل الزميل الزعبي الذي أكد على أننا نسعى إلى إصلاح المسرح الأردني كجزء من مشروع الإصلاح السياسي، نحاول أيضا أن نخلد المسرح كجزء من المسرح العربي وهي خطوة إلى الأمام بموازاة الإصلاح السياسي.
مخرج العمل الفنان محمد الضمور قال: أن المتابعة الحثيثة للاحداث اليومية لم تترك المسرحية جامدة على العرض اليومي، ولم تتوقف عند حالة واحدة فقط وانما يتحور النص ويعاد تشكيل الاحداث كل يوم وهذا سر فكرة المسرح السياسي وقدرته على تقديم وجبة سياسية نقدية للواقع بكل تجلياته وبشكل يومي.
ويضيف الضمور: ان قوة العمل وقدرته على ملاحقة الاحداث بشكل يومي عربيا ومحليا هي سر نجاحه، خاصة وانه بمستوى الحدث العربي وانه يتجدد يوميا مواكبا هذا الحدث ساعيا إلى نقده وفكفكته لكي يعي جمهور المسرحية ما يدور حوله من احداث.
ويؤكد الضمور ان العمل ورغم سخريته من كل شيء الا انه يحمل مضامين جريئة ولايحكمها سقف، وان المسرحية تجاوزت السقوف المعهودة في الشارع الاردني لكنها لم تتجاوز سقف الوطن وثوابته التي يلتقي عليها الاردنيون جميعا.
واشار الضمور إلى أننا لم نسوّق المسرحية وانما اعتمدنا على الجمهور نفسه فهو الذي يتحدث عن المسرحية خاصة في ظل التعطش للمسرح السياسي الذي يحمل قضايا الناس وينتقدها. مؤكدا ان الديكور والموسيقى والممثلين في حالة تناغم دائم وان الممثلين وبالرغم من ان ادوارهم قصيرة الا انهم يقدمون ادوار كبيرة ورغم ان هنالك وجوه جديدة الا انهم تميزوا وخاصة الممثلة اريج دبابنة.
وعن الفنان موسى حجازين قال الضمور: ان لديه القدرة على الاداء الجميل، ويمتلك سرعة البديهة، ويحمل ثقافة جادة تؤهله لأن يواكب الاحداث الجديدة، وان يقدم مسرحا سياسيا بامتياز.
انهم يحاولون في فرقة المسرح السياسي ان يختصروا المسافة بين عقول الناس البسطاء وفهمهم البسيط لما يجري – والذي يكتنزه الحزن والتعمية رغم وضوحه – وبين ما نسمع من فهلوة سياسية تمنع على الناس الفهم وتجعلهم في دوامة غير واعين لما يجري، وهو ما يعبر عنه حجازين بقوة في اغلب المشاهد التي يصل فيها المواطن الطيب حدَّ البكاء على وطنه.

يقول حجازين والذي بدا سعيدا بانجازه: كان هنالك حضور رسمي وشعبي قوي وهو ما يعبر عن أهمية الحدث وقوته وهنالك مساحات وفضاءات يمكن للزخم الشعبي التقاطها والتفاعل معها وتمنى ان يكون على قدر الثقة.
الزميل المبدع احمد حسن الزعبي طبخ نصه في «طنجرة» الحزن الشفيف ليسهل على الناس تناول وجبة سياسية دسمة وشهيّة.
فالزعبي الذي بات من اكثر الكتّاب قربا من نبض الناس واكثر الكتّاب على الساحة قدرة على الالتصاق بقضايا الناس وتصويرها، امسك بنصّه على جملة من القضايا الوطنية والملحة، مستحضرا كل ما يمكن ان يدور من نقاش واحاديث بين العائلة الاردنية الآن مسقطا ذلك على القضايا الكبرى، صارخا في وجه كل من تسوّل له نفسه الفساد او الافساد، من خلال لغة الاشارة تارة ومن خلال المباشرة الشفيفة تارة اخرى.
الزعبي الذي يقدم بحرفية عالية تفاصيل الهم الاردني في جريدة الراي من خلال مقالة تسخر من كل ما يحيط بنا من الم وتسهم في تجاوزه، جعل من «ابو صقر» سلطة تفصح عن محاولاتها لتمرير اليات وادوات القمع والتحايل، ثم تسقط هذه السلطة في قعر هاوية سحيقة من المماطلة واصطناع عدم الفهم لما يجري والتحايل من خلال وضع الرؤوس في الرمال وتقديم الحلول غير المجدية لتكتشف بعد هذه المغامرات انها في واد والشعب في واد، لتعلن صراحة وبأسقاط سياسي على الحالة التونسية اننا الان فهمنا ماذا تريدون، وهو فهم عادة ما ياتي متاخرا بعد فوات الاوان.
وتسخر المسرحية من واقعنا السياسي المر حيث يتخللها مشاهد أخرى تقدم لوحة كوميدية عن طريقة تشكيل الحكومات في الأردن، وأسلوب «الترضية» المتبع في تسليم الحقائب الوزارية والمناصب العليا في الأردن،
وأخرى تتعلق بالوحدة الوطنية والفساد والإصلاح ومخرجات لجان الحوار المختلفة، وغيرها الكثير.
يشار إلى ان حجازين والزعبي اشتركا في عدد من الاعمال الساخرة كان من اهمها كاريكاتير صحيفة الرأي الذي يقدم معالجة مباشرة ويومية لقضايا الناس بطريقة تصل إلى كافة المستويات الفكرية بحيث تطوع الفكرة لصالح المشهد الكاريكاتوري المعبر، حيث قال عنها حجازين انها جاءت من حب الكاتب الزعبي لشخصية موسى حجازين وشخصياته التي تمثل الضمير الجمعي للأردنيين كافة، والذي أراد من خلالها تقديم الفكرة والحل في آن ومن خلال الصحيفة الأولى في الأردن.
تحدث حجازين عن العلاقة التي تجمعه بالكاتب والزميل أحمد حسن الزعبي، مشيرا إلى انه يشكل معه ثنائيا روحيا وفنيا حيث يسهم ذلك في إيجاد حالة حقيقية من التواصل والتفاهم في سبيل إيجاد الفكرة وترجمتها، سواء إلى كاريكاتير أو دراما أو مسرح، وانه يفتخر بصداقته والتعاون معه كانسان وككاتب أيضا. ويعتبر حجازين أن احمد الزعبي يعد من الكتاب المهمين والقادرين على التواصل مع المجتمع الأردني والتعبير عن قضاياه بكل شفافية وبعيدا عن المزاودة والمغالاة.
وأضاف حجازين انه قدم عددا كبيرا من الأعمال الفنية الدرامية والمسرحية وهي لاتزال حاضرة في أذهان الأردنيين، متمنيا ان يكون العمل الجديد مع المخرج محمد الضمور بداية جديدة لاعمال مهمة ترفد الساحة المسرحية الاردنية بالاعمال المهمة والتي تحوز اعجاب المشاهدين.
وأضاف حجازين أن هذا العمل الدؤوب وهذا الانجاز الذي احمد الله عليه دائما وابدأ، لم يكن لولا أن هنالك بيتا يعرف معنى الفن ويقدر العمل به وزوجه تقف دائما إلى جانب زوجها في كل الظروف مما أسهم في تراكم هذا النجاحات وتواصلها.
يشار إلى أن الفنان حجازين قدم عددا من الأعمال الفنية التي لاتزال في ذاكرة الأردنيين ومنها: مسلسل «حارة أبو عواد». مسلسل «العلم نور». مسلسل «الشريكان». مسلسل «لا تجيبوا سيرة». مسرحية «شي غاد». مسرحية «زمان الشقلبة». مسرحية «سمعة في أمريكا». مسرحية «حاضر سيدي». مسرحية «ابتسم أنت عربي». مسرحية «هاي مواطن». مسرحية «هاي أميريكا». مسرحية «إلى من يهمه الأمر». مسرحية «مواطن حسب الطلب». برنامج «لا تجيبوا سيرة».
ويذكر بأن المشاركين في أداء الشخوص المختلفة هم: غازي قارصلي، وجورج حجازين، ومحمد السوالقة (الذي صمم ديكور المسرحية بطريقة محترفة أيضا)، ومعتصم فحماوي، وخلدون حجازين، وأريج دبابنة، وبتول الضمور، وحنين، ومحمد الصبيحي، وحكمت درويش.
بقي ان نقول ان لسان حال الناس يقول لموسى حجازين: ستبقى زهرة البنفسج التي تزرع البهجة فينا كلما غامت الدنيا حزنا، وسنبقى نفهم من بساطة ادائك وقدرتك على اشعال الالم فينا كل ما استعصى علينا.

أ.ر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى