“فورين بوليسي”: رسائل أمريكية مضللة دفعت أردوغان للتحرك ضد قوات الحماية الكردية

سواليف

تعتقد أماندا سولات، من معهد بروكينغز والباحثة في مركز آش كارتر بمدرسة كنيدي في هارفارد في مقال لها في مجلة “فورين بوليسي” أن مواجهة حلفاء أمريكا في سوريا جاءت بسبب فشل الإدارة الأمريكية في تطوير استراتيجية واضحة. وجاء كلام سولات في معرض العملية العسكرية التركية بمنطقة عفرين. وهي جزء من محاولات أنقرة المستمرة لمنع قوات حماية الشعب الكردي التي استفادت من الدعم الامريكي منذ عام 2014 إقامة منطقة حكم ذاتي على الحدود الجنوبية. وتنبع المعارضة التركية من علاقة الأكراد السوريين مع “بي كا كا” المنظمة التي تعتبرها أنقرة إرهابية وقادت حملة مسؤولة عن مقتل عشرات الألوف من الأشخاص.

وتدور أهداف العملية بحسب مكتب الدبلوماسية العامة التركي على تأمين الحدود التركية ومواجهة الدعم الأمريكي لمنظمة إرهابية ومنع قوات حماية الشعب من الوصول إلى شرق المتوسط بشكل يقطع علاقة تركيا الجغرافية مع العالم العربي ومساعدة المعارضة السورية السيطرة على مساحة 3.861 ميلاً مربعاً من المنطقة. وتضيف سولات أن سلسلة من الرسائل المضللة التي أرسلتها إدارة دونالد ترامب كانت وراء التحرك التركي الأخير ولكنها جزء من سؤال أكبر برز خلال الحرب السورية وهو فشل واشنطن بتشكيل سياسة متماسكة تجاه سوريا. فقد ركزت إدارة باراك اوباما على مواجهة تنظيم الدولة الذي يهدد الأمن الوطني الأمريكي والحلفاء مع محاولة عدم التورط في حرب جديدة بالمنطقة. وتكرر الكاتبة الفكرة التي تتردد وهي أن القوات الخاصة الأمريكية عندما بحثت عن حلفاء تثق بهم على الأرض لم تجد سوى الأكراد الذين كانوا مستعدين لقتال تنظيم الدولة فيما جعلت جماعات المعارضة من قتال نظام بشار الأسد أولوية لها.

فشل المفاوضات

ولم تنجح المفاوضات الأمريكية – التركية بشأن عمل عسكري مشترك ضد تنظيم الدولة. وناقشت إدارة أباما انعكاسات التحالف مع الأكراد على المنطقة وتبنت إدارة ترامب نفس المشروع رغم موقف الخارجية التي أكدت أن العلاقة معهم هي “مؤقتة وتعاقدية وتكتيكية”. ولا يعرف إن كانت وزارة الدفاع تشترك في هذا الموقف. فقد لعبت البنتاغون دوراً كبيراً في إدارة العمليات ضد تنظيم الدولة، خاصة في ظل الإدارة الحالية التي يتسيدها الجنرالات.

وتعتقد سولات أن غياب الرسائل التي تنسق السياسات داخل الإدارة أدت لتعقيد أمر حساس. فعندما وصل ترامب إلى البيت الأبيض عبر الرئيس رجب طيب أردوغان عن إلغاء الإدارة الجديدة قرارا بتسليح قوات حماية الشعب. إلا أن ترامب لم يسلح الأكراد فقط بل وتبنى خطة الهجوم على الرقة التي وضعتها إدارة أوباما وتم إبلاغه بالقرار قبل أيام من زيارة البيت الأبيض في أيار (مايو). ومع نهاية المعركة أخبر ترامب نظيره التركي بمكالمة هاتفية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 أن الولايات المتحدة ستوقف الدعم العسكري لقوات حماية الشعب. وجاء كلام الرئيس مفاجئا لوزارة الدفاع وعادت ووضحت قائلة إن القرار “ينتظر التعديلات” ولكنها فاجأت البيت الأبيض هذا الشهر بالإعلان عن قوة أمن حدود من 30.000 مقاتل. وعندما رد الأتراك كالعادة بغضب حاولت وزارة الخارجية التعامل مع الأمر وقال ريكس تيلرسون، وزير الخارجية :” تم تصوير الوضع بطريقة خطأ ووصف خطأ، وتحدث البعض بطريقة غير صحيحة ولا نقوم بإنشاء قوة حدود”. وفي هذا السياق فيجب أن لا يفاجئ الرد التركي أحداً. فرغم خطابه الناري إلا أن أردوغان شحذ أسنانه مع دخول المقاتلين الأكراد الرقة، إلا أنه أبدى استعداداً للدفاع عن خطوطه الحمر والتي تشمل منع أي تحرك لقوات حماية الشعب ربط الكانتونات الكردية الثلاث على طول الحدود التركية. وتخشى أنقرة من تحول هذه المنطقة لنقطة انطلاق عمليات ضد الجنوب التركي. وتشجيع تحركات مماثلة نحو الإستقلال بين أكراد تركيا. ففي آب (أغسطس) شنت القوات التركية عملية “درع الفرات” والتي استمرت سبعة أشهر لتطهير المنطقة الحدودية من تنظيم الدولة. وفي تشرين الأول (أكتوبر) أرسل أردوغان قواته في عملية مشتركة مع روسيا وإيران تستهدف تنظيم الدولة ولكن بتجليات واضحة ضد قوات حماية الشعب. وحذر أردوغان الأكراد في حينه حيث قال: “لا نتسامح مع الأخطاء الصغيرة في عفرين”.

أخطاء ترامب

وترى الكاتبة أن عملية عفرين بالإضافة للقضايا الأمنية مرتبطة بالضرورة بالسياسة المحلية التركية. فقد سمحت أخطاء ترامب لأردوغان تقديم نفسه كمدافع عن الأمن التركي. فمع اقتراب الإنتخابات البرلمانية والرئاسية فإن قراراته المتعلقة بالسياسة الخارجية تهدف لتقوية قاعدته الوطنية. كما أن الضغط السياسي على الأكراد السوريين يساعده في مواجهة الصوت الكردي التركي ونزع الشرعية عنه. وترى أن وقف إطلاق النار الذي تزامن انهياره مع فوز الحزب الكردي في انتخابات عام 2015 بنسبة 10% من الأصوات بشكل حرم الحزب الحاكم من الغالبية. وفي هذا السياق تحدثت الكاتبة عن المواقف الأمريكية سواء من وزير الدفاع جيمس ماتيس الذي عبر عن تفهمه لمظاهر القلق الكردي إلى تيلرسون الذي طالب تركيا بضبط النفس. وكان الفرنسيون الأعلى صوتاً وطالبوا بعرض العملية على مجلس الأمن. وعن الموقف الروسي، ترى الكاتبة أنه يحمل الكثير من المعاني خاصة أن موسكو تسيطر على الأجواء في الشمال ونشرت مستشارين في عفرين. وترغب روسيا الاستفادة سياسياً من الأحداث الأخيرة والتي حملت الولايات المتحدة مسؤوليتها. وتقول إن تسوية قد يتم التوصل إليها على المدى القريب يتم فيها الاعتراف وتفهم الرغبة التركية بإقامة منطقة آمنة على حدودها والقبول بعملية عسكرية تركية محدودة طالما تم تجنب سقوط الضحايا المدنيين فيها. أما على المدى البعيد فلا يمكن تجنب التعامل مع قضايا مشتعلة، فبالإضافة للعملية العسكرية التركية فستظل المشاركة الكردية في محادثات السلام شأناً مثيراً للخلاف حيث تعارض تركيا مشاركة ممثلين عن قوات حماية الشعب. إلا أن روسيا أعلنت عن دعوتها ممثلين أكراد لسوتشي.

وتعتقد سولات أن سوريا تمثل أحجية شريرة للسياسة نظراً لتعدد اللاعبين الخارجيين فيها الذين ينتافسون فيما بينهم ولديهم شبكات متعددة. وحتى هذا الوقت ظلت واشنطن تلاحق اهتمامات عسكرية ضيقة، ومحاربة تنظيم الدولة وعليها أن تقدم رؤية شاملة تأخذ بعين الاعتبار الديناميات الإقليمية الواسعة. ورغم الرؤية المعقولة التي قدمها تيلرسون حول الوجود الأمريكي في سوريا والمساعدة على استقرار المناطق المحررة وفتح الباب أمام عودة اللاجئين إلا أنه اعترف بالتحديات النابعة من الأجندات الخارجية والذي يبحث كل لاعب فيها عن مصلحته. ومن أهم المعوقات لهذه السياسة هي معارضة تركيا لما تراه ضمانات عسكرية لمنطقة الأكراد. وعلى ما يبدو لم تفهم الولايات المتحدة تعقيدات هذا الموضوع، كما أن عدم مشاركة أمريكا بمحادثات السلام التي تديرها روسيا وتركيا وإيران يحد من مساحة المناورة لها. وتختم سولات قائلة إن دعم الولايات المتحدة لقوات حماية الشعب في الحرب ضد الدولة نبع من رغبتها في ألا تتورط في النزاع إلا أن القرار سيملي وللمفارقة تورطاً أمريكياً على الأرض لمنع حرب بين وكلائها. ومحاولة تهدئة المخاوف التركية ليس حلاً فالنزاع التركي- الكردي هو جزء أساسي من الاحجية السورية الكبرى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى