ظالمون لاحقا / سهير جرادات

ظالمون لاحقا
سهير جرادات

تنتشر في مؤسساتنا ودوائرنا نماذج ظالمة ، كانت لفترة قريبة مظلومة ، من قبل بعض المتنفذين الذين كانوا يمارسون سابقا شتى أصناف الظلم وبمختلف أشكاله ، للأسف رغم أن الله رد لهم حقهم ،لكن مثل هؤلاء المسؤولين يُمعنون في ظلم الآخرين لضغائن شخصية لا أكثر .

في الغالب فإن مثل هذا المسؤول السابق اللاحق ممن وقع عليه الظلم ،فإن أول عمل يمارسه بعد أن يشكر الله،يبدأ بسرد بطولاته وقدراته على تحمل الظلم والصبر، الذي يعزوه إلى تضحياته في سبيل الوطن ، ومن باب المواطنة الصالحة.

أيام معدودة فقط ، نجد مثل هذا (المظلوم)،وغيره ممن كانوا مظلومين، قد تحول غالبيتهم إلى أشخاص يمارسون الظلم بنفس الاسلوب الذي مورس عليهم ، متجاوزين جراحهم ومعاناتهم لسنوات طويلة من الظلم بسرعة فائقة ، ليبدأوا بتجريع الآخرين أصناف الظلم، وكأنهم ينتقمون لأنفسهم ،ولكن للأسف من أشخاص أبرياء ،لا يستحقون ردة الفعل الانتقامية، ،لكنها فقط …لأنهم عجزوا عن ردها في وقتها، ولضعفهم في الدفاع عن أنفسهم،وعدم قدرتهم على مواجهة الظلمة سواء من الأفراد أو المؤسسات .

من الواضح أن هؤلاء المظلومين سابقا ، لم يكونوا يمارسون عملهم بطريقة صحيحة قائمة على العدالة ،لأنهم أصلا جاءوا بالواسطة والمحسوبية والشللية ، التي تنكرت لهم ،ففي أول “لفة ظهر لهم ” أصبحوا يمارسون الحقد الذي كان يمارس عليهم ، مترجمين ما في داخلهم من حقد مجتمعي .. طبقي ..فئوي،.. والمؤسف أنهم يُترجمون حقدهم بطريقة خاطئة ، وعلى الأشخاص الخطأ .

يتذرع هؤلاء المظلومون سابقا ، والظالمون لاحقا، أنهم يتحلون بالأخلاق والنزاهة والشفافية ، ويكثرون من التبرير أنهم ليسوا ظلاما ، ويَجدون التفسيرات التي تريحهم وتريح ضمائرهم شبه الميتة ، وبأنهم ينتصرون لأنفسهم بعد أن ملأ الظلم قلوبهم لسنوات طويلة ،وشغلت تفكيرهم حياة الظلم بعد أن تخلصوا منها ، وذلك من خلال ظلم الآخرين، وفرض طوق الظلم حولهم ، ليتلذذوا من خلال اقناع أنفسهم بأنهم ينتقمون لذاتهم .

يتحول هؤلاء المظلومون سابقا إلى ظُلام ، وينتقمون من الطغاة بممارسة الظلم على آخرين بنفس الاساليب ، بعد أن كانوا؛يُلقنون دروسا خلال ممارسة الظلم عليهم ، لتكون الدروس المستفادة،عدم معارضة من رفعوا عنهم الظلم ، لكن بطريقة مقززة على أنهم أولياء نعمتهم، وواجب الولاء والطاعة حق عليهم ، ويجب عدم مخالفتهم بما يطلب منهم.

هذا كله يفاقم الظلم في مجتمعنا ويساعد في نشره ،وتصبح العدالة في مهب الريح ،وغير موجودة على أرض الواقع ،مع أن سيد البلاد دعا إلى تحقيق العدالة خلال لقائه الاسبوع الماضي اللجنة الملكية لتقييم العمل ومتابعة الإنجاز لتعزيز منظومة النزاهة الوطنية ، ورئيس وأعضاء هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، وشدد على ضرورة عدم التهاون في تطبيق القانون والعدالة حتى لا يفسح المجال أمام المزيد من الفساد ويضعف الثقة في أجهزة الدولة ومؤسساتها.

وهذا الأمر ، وحتى لا نترك المجال أمام المظلومين سابقا من مزاولة ظلمهم على الآخرين ، وحتى نوقف استمرار ظلم الآخرين ، يدعونا إلى ضرورة عدم ترك زمام الامور بيد مسؤول واحد ، وتركه ينفرد بالسلطة ، إذ يجب أن تكون هناك لجان ومؤسسات تقوم بمراجعة مستمرة للأعمال والممارسات غير السوية في دوائرنا ومؤسساتنا ، حتى يشعر المواطن بوجود نتائج حقيقية لجهود محاربة جميع أشكال الفساد، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية ، ما يتطلب العمل على ترجمة هذه الجهود والنتائج على أرض الواقع ، وبالتأكيد بعد محاربة الواسطة والمحسوبية والشللية بجميع أشكالها وعلى جميع المستويات، لنحقق العدالة ونرسخ النزاهة كسلوك مؤسسي ومجتمعي .

ومن منطلق أن :” الإنسان يخاف ما يختشيش “، يجب ايجاد طريقة للتخلص أو الاستخفاف من آليات الرقابة والمحاسبة ، فمثل هؤلاء لا يتورعون عن ارتكاب أي جرم يتوافق مع أهوائهم لغياب اعتقادهم الفعلي بأنهم سيتعرضون للمساءلة ، لذا يجب ايجاد آليات لمراقبة ومحاسبة المسؤولين ، حتى وإن كنا نثق بهم ، سواء أكانوا ظالمين أم مظلومين سابقا ، وذلك حفاظاً عليهم من الوقوع فى المحظور، عندما يجدون أنفسهم في موقع المسؤولية ، أو يعودون اليها بعد فترة من الحرمان جراء وقوع الظلم عليهم بحرمانهم من حقهم ، فينقضون على زملائهم ، ويتخبطون بطريقة يؤذون بها أنفسهم وغيرهم، والأدهى أنهم يسيئون إلى الدوائر والمؤسسات التي يعملون بها ، مما ينعكس سلبا على الدولة ..

كم من مظلوم تحول إلى ظالم ؟!، وكم من ظالم فتك بالآخرين ونخر بأساسات مؤسساتنا ودوائرنا التي تنهار شيئا فشيئا على أيديهم .
Jaradat63@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى