من أرشيف المخابرات العراقية 1991 .. كيف هُرّبت الطائرات العراقية الى إيران .؟

سواليف
مضى العراق إلى حيث شاء من الحرب في الخليج حتى تثوب إليه عوازب أحلامه ، ولم يكد ينفض غبار ‘‘حرب الفُرس’’ من على عاتقه فإذا به ينقضُّ على جارته الأُخرى في جُنح الليل إذ كان صدام فيما يظهر يحن إلى الإتساع في الأرض حنيناً متصلاً فانتهز الأمريكيون حنينه ذاك بأن نصبوا له فخّاً في الكويت فهَوَى في غياهبهِ بغير وعيٍ منه ولا إدراك , ثم تودد صدام إلى الفُرس وتقارب إليهم كل المُقاربة على ما كان بينهما من الضغائن زمن الحرب الأولى, وكان العراق إنما يريد من شخوصه إلى طهران وإشخاصه إياهم إلى بغداد أن يتقاسم الخصمان ما أُتيح لهما من غنائم الأرض, فلإيران شط العرب وللعراق الكويت , ولذلك بعث إليهم رُسُلاً ليُظهر لهم حُسن النوايا إيثاراً للصلح والسلام ثم ألحَقَ ذلك برسائل حملت مضامين يترقبها المراقبون الذين ثار فضولهم للعلم بما جاء في تلك الرسائل, وعلى العهد نعرضُ لها هاهُنا بإيجازٍ غير مُخل
جاء في الرسائل بعد التحية الإقرار بالإتفاق الذي بين البلدين في معاهدة الجزائر الموقعة مع شاه إيران عام 1975 والتأكيد على إلتزام العراق ببنودها , وعلى هذا فإن لإيران السيادة على شط العرب بنفطه وملاحته , وطلب العراق تطبيع العلاقات مع الجمهورية الإسلامية وإقامة معاهدة سلام مشرِّف بين البلدين والموافقة على زيارة وفد عراقي إلى طهران للتباحث حول التعاون في شتى المجالات كما سيجيءُ الحديث , وأبدى العراق حرصه على أن يتجاوب الرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني لإنهاء ملف الأسرى من البلدين , وفي الرسائل من نوافل الشئون ما ليس من شأننا أن نعرض لها فلسنا نريد أن نترك الموضوع الذي نحن بإزّاءه
عندما كان حلف الغرب والعرب يقرعون طبول حرب الخليج الثانية على العراق شد الرحال وفد من نظام الحكم في بغداد إلى طهران على إستخفاءٍ شديد من الأعين الراصدة في التاسع من شهر كانون الثاني من عام 1991 , وكان وجهاء الوفد نائب رئيس مجلس قيادة الثورة عزت الدوري ووزير النقل والمواصلات محمد الزبيدي , وحلَّ الرجلان كضيفين عند نظيريهما وهما نائب رئيس الجمهورية الإيراني حسن حبيبي ووزير الطرق والنقل والمواصلات الإيراني محمد سعيدي كيا , وبحث الطرفان أمر العلاقات بينهما وطلب العراق فتح بابٍ جديد لتوثيقها على مبدأ الثقة والتسامح والتراضي , وفي إطار التعاون بين وزارتي النقل والطرق والمواصلات بين البلدين تقدم العراق بطلبات من الجانب الإيراني نوجزها كالآتي :-
– فتح حركة النقل الجوي بين البلدين وربط مطار البصرة الدولي بشبكة السُبُل الجوية الإيرانية عبر مطار عبادان
– ربط هواتف مباشرة بين مطارات البلدين
– تبادل المعلومات والخبرات في الأنواء الجوية وفتح البريد والتنسيق بين الخطوط الهاتفية والخدمات التلكسية عبر المحطة الأرضية ‘‘الأنتلسات’’
– فتح المجال للنقل البحري والموانىء بين البلدين والسماح للسُفُن والبواخر العراقية بأن ترسو على المياه الإيرانية , وبالتحديد في ميناء بندر خميني وميناء بندر عباس خوفاً من التهديدات الأمريكية , فاقترح الجانب الإيراني النقل البحري من ميناء بندر خُميني إلى ميناء أم قصر في محافظة البصرة , وإقترح العراق دراسة إمكانية تصدير النفط العراقي عبر الموانىء الإيرانية ومد أنبوب للنفط عبر شط العرب إلى ميناء بندرخُميني على أن يتكفل العراق بتنفيذ هذا المشروع من حيث النفقات
– فسح المجال بين التجار من البلدين والتبادي التجاري
– إستخدام سكة الحديد للقطار من ميناء بندر خُميني إلى المحمَّرة ومنها إلى البصرة عبر إنشاء ومد سكة حديد جديدة من المحمَّرة إلى البصرة لتسهيل نقل المسافرين والبضائع بين البلدين
– فتح خطوط للسفر البري للسياحة وللزيارات بين البلدين وعرض العراق فتح ممر بين خانقين وقصر شيرين خاص بالزوار الإيرانيين الذين يتحرّقون شوقاً إلى زيارة العتبات المقدسة في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء , فطلبت إيران من العراق أن يكون عدد زوارها 5000 زائر أسبوعياً ولكن الجانب العراقي إعتذر لمحدودية الإمكانيات في النقل والمواصلات وصعوبة إيواء هذا العدد من الناس فاتفق الطرفان على أن يكون عدد الزوار الإيرانيين 3000 زائر أسبوعياً , وطلب الجانب العراقي ثلاثة آلاف دولار عن كل زائر إيراني لتتكفل الدولة العراقية بتكاليف السكن والإقامة وباقي الرسوم ، ورأى الإيرانيون أنه يجب إعادة النظر في ذلك من حيث أن المبلغ مبالغ فيه جداً ولا يتمكن الزائر من دفعه فهو يفوق بكثير تكاليف السفر إلى الشام لزيارة مقام السيدة زينب ومقام رقية بنت الحسين فلم يَرَ العراق بُدّاً من الإذعان لما أرادوا , وإستمرت بغداد في مغازلة طهران بتحقيق إنتصار مذهبي للأسرى الإيرانيين التواقين لزيارة الأئمة وذلك بالسماح لهم بزيارة العتبات المقدسة عند الشروع بعملية تبادل الأسرى التي تمت في عامي 1990 و1991, وتجدر الإشارة إلى أن الفُرس هم الذين أنشأوا الأضرحة في العراق بعمرانها الحالي، وشيّدوا القُبب المذهّبة والأبواب الخشبية المُزيّنة التي كان يستقيها أهل العراق من الفُرس مما يتصل بحضارتهم فجلبوا آلاف القطع من السجّاد الإيراني الفاخر, ومعظم التسميات والإصطلاحات المتداولة عند تلك الأضرحة والمراكز الدينية يعود أصلها إلى اللغة الفارسية ، بدءاً بـ‘‘الكليدار’’ وهو سادن الروضة ، والنقاش هو الرسام والدهّان , والكفشدار وهو المسئول عن تسليم الأحذية حيث لا يُسمح للمُنتعلين بدخول تلك الأماكن المقدسة
أرجأ الإيرانيون توقيع الإتفاقيات إلى حين زيارة الوفد الإيراني إلى بغداد , وهو لم يصل إلى بغداد قط , وإنما حطَّ في طهران وفد من مختصي منشأة الطيران العراقي يترأسهم المدير العام للمنشأة بهدف دراسة سُبُل التنسيق العسكري والتمهيد لتعاون عراقي إيراني بعد أن فقد الطرفان الكثير من الحلفاء في المنطقة , وكذلك للتنسيق بشأن نقل الطائرات العراقية المدنية والعسكرية إلى إيران تحاشياً للتهديدات الأمريكية , وفي يوم 15 يناير1991عشيّة العمليات العسكرية ضد العراق تم نقل 33 طائرة عراقية مدنية إلى إيران مابين طائرات نقل وطائرات ركَّاب وكانت على النحو التالي :-
6 طائرات إيرباص
5 طائرات بوينج
22 طائرة نقل إليوشن
وأما الطائرات العسكرية فكان عددها 117 طائرة على النحو التالي :-
24 ميراج – ف 1 الفرنسية
68 سوخوي – طراز أس يو 20، 22 و24 روسية الصنع
12 ميغ 23 روسية الصنع
7 ميغ 25 روسية الصنع
4 ميغ 29 فولكرم روسية الصنع
طائرتان من طراز عدنان 1 للرصد والإنذار
وتمت عملية نقل الطائرات العراقية إلى المطارات الإيرانية على إستكتامٍ يسوده التوتر من لحظة الإقلاع إلى حين السماح بالهبوط ، وللتمويه فقد أقلعت من قواعد عراقية مختلفة لتهبط في قواعد إيرانية متفرقة , وكان نقلها يتم في حدود زمنية قصيرة للغاية للتملُّص من رصد طائرات الإنذار المبكر الأمريكية من طراز AWACS E-3 وHawkeye E-2 ولتفادي ملاحقتها أوإعتراضها من مقاتلات وطائرات Intruder A6 – F18 – F16 – F15 الأمريكية والبريطانية المُحلِّقة في الأجواء العراقية والتي كانت تتلقى على مدار الساعة التوجيهات والإشارات الإلكترونية من الرادارات الجوية والأقمار الفضائية عن حركة الطائرات العراقية , فحالما يتم عبورها الحدود إلى الأراضي الإيرانية كان الطيار العراقي يخاطب عبر الإتصال الطائرات الإيرانية المُعترضة ف – 4 فانتوم على موجات الإرسال اللاسلكية الدولية المتعارف عليها للحالات الطارئة ، فيطلب الإذن عند المطارات الإيرانية حيث كان يؤذن للطيار العراقي بعد أن يتم إشعار أبراج المُراقبة الإيرانية والحصول على الإذن بالهبوط
في أيام رحيل الطائرات العراقية المُهرَّبة وإلتجائها إلى إيران إكتشفت طائرة AWACS للرصد والإنذار سرب طائرات عراقية مؤلف من 7 طائرات متجهة شرقاً نحو الحدود الإيرانية فأنذرت تشكيلاً من طائرات ف – 15 الأمريكية إلا أن سرب الطائرات العراقية كان قد عبر الحدود وبلغ الأجواء الإيرانية فهبطت مع طاقمها بسلام في قاعدة مهرباد الجوية على حدود طهران، ومنعت القيادة الإيرانية طائرات (ميغ 29 ب فولكرم المقاتلة وطائرات النقل الضخمة إليوشن – 76) العراقية العسكرية من الهبوط في طهران لأسباب لم تحددها وأمرت تلك الطائرات بالتوجّه إلى مدينة زاهدان الإيرانية قرب الحدود الباكستانية
وكانت إيران وقتذاك قد أعلنت رسمياً موقفها من الحرب بإلتزام الحيدة لئلا تمنح مبرراً للأسطول الأمريكي بالمبادئة وتوسيع رقعة الصراع أو بدخول الأجواء الإيرانية فقد كانت إيران مُنهكة من حرب الثماني سنوات ولم تكن في وضع يُمكِّنها من الدفاع عن كلية ستاري الجوية و14 قاعدة جوية معظمها تنتشر في القسم الجغرافي الغربي والجنوبي الساحلي من الخليج ، كما أن معظمها كان في طور التحديث والتطوير, وقد تم إستنفار كل القواعد الجوية الإيرانية على أقصى درجات الإنذار على مدى أيام الحرب إيثاراً للوقاية والحذر , ولكن ذلك التقرب العراقي إلى إيران لم يتصل إلاَّ ريثما إستحال إلى عبوسٍ وفتور إثر إندلاع الإنتفاضة الشعبانية في مثل هذا الشهر ‘‘مارس – آذار’’ عام 1991
نائب الرئيس الإيراني حسن حبيبي ونائب صدام في رئاسة مجلس قيادة الثورة عزت الدوري
وزير الطرق والنقل الإيراني محمد سعيدي كيا مع نظيره العراقي محمد الزبيدي
في التقرير القادم سنكشف عن أرشيف عام 1991 أيضاً لإن هذا التقرير تم تخصيصه لموضوعٍ بعينه منفرداً بمعزل عن غيره من أحداث ذلك العام

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كلام فيه تجني وغير دقيق…فالطائرات العراقية لم تهرب ولكن اودعت كأمانة الى الجار المخادع والغادر..

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى