أمن البنوك والمصارف / جمال الدويري

أمن البنوك والمصارف

أستذكر من التاريخ الأردني الحديث, وبالحدود القصوى, بعض حوادث سطو بعض الصبية على مشمشات الجيران ليلا, يخمشون منها طورة مشمش مع الورق, لفرط الخوف والخجل على عجل, او مع ابن صاحب البيدر على جرزة قمح من بيدر بعلو طابقين, يُستخرج حبها بطريقة بدائية, ليصار به الى شفال قميص صبي من الجمع, يذهب بها الى دكان القرية, ويستبدلها ببعض الهريسة او الحلاوة او المخشرم والقضامة, وربما لحب المغامرة فقط, او التعليم على صاحب الشجرة والبيدر, ليس الا.
أما أن يُصار الى السطو المسلح على البنوك والصرافات الآلية, وأي مصلحة يتوقع أحدهم ان يكون بها بعض الكاش, والظهر الحمرا, وعلى عينك يا دولة, وفي بلد الأمن والأمان, كما يدّعون, فهذا أخر الكوابيس التي لم تخطر على بال أردني واحد, وحتى قبل أشهر مضت, لا بل وتتكرر هذه الحوادث الجرمية الى درجة نخشى معها ان تصبح ظاهرة مألوفة, ونمطا عاديا للكسب والتعيّش, وكسرا خطيرا (لتابو) التعامل مع القانون ومظاهر الدولة.
وبلا مقدمات…وبغض النظر عن مصداقية المشهد, وخلوه من مظاهر المسرح الرخيص, لغايات في نفس يعقوب, من عدمه, فإن هذا الكابوس لمؤرق ومخيف, وله الف مدعاة ومدعاة, لوقفه وإغلاق الأبواب والشبابيك الأمنية دونه.
ولا بد هنا وقد عرضنا جانبا يسيرا من هذا المشكل العضال, الذي ما استفحل في مجتمع الا وهدم اركانه, لا سمح الله, وقوض أعمدة كيانه وسلامته, فلا بد ان نحاول طرح بعض الحل, وتصورا شخصيا لما يمكن به, الحد من تداعيات هذا الوضع الغريب العجيب, والخروج من مأزق التأويل والحدس والخوف العام.
البنوك الاردنية, ولا حسد, لديها مخزونا كبيرا من الودائع الرابحة وكمّا خدماتيا مدفوعا بنعماء فائضة وتراكم استثنائي من الوفر القابل لإعادة الاستثمار والتوظيف, تتطلع اليها مصارف شقيقة وصديقة بعين الطموح وبعض الحسد, وعليها ومن أجل تأمين النظام المصرفي وحمايته من التطاول والسطو, وخلق بيئة مهنية أكثر صحة وأمنا, فلا بد من التفكير بما يلي:
أولا, ما المانع ان تعمد المصارف الاردنية, وهي شركات خاصة, مع بعض المساهمة الحكومية في بعضها, لخطة أمن خاص, تقوم على توظيف شركة مدنية خاصة لأمن البنوك, يكون من تستخدمهم من متقاعدي الأمن والجيش مثلا, أو الشباب الأردنيين العاطلين عن العمل, برواتب مجزية, تكفيهم شر السؤال والضنك, وتمنحهم بارقة أمل على المستقبل والحياة العملية, بعد اخضاعهم النفسي والجسدي والقانوني, لبرامج ودورات إعداد متقدمة لهذه المهمة بالذات دون غيرها, وربما خلق مهنة جديدة تختص بمواجهة أخطار بعينها, في هذه المؤسسات.
ثانيا, او ان يُصار الى تشكيل وحدة أمنية خاصة تحت مسمى “أمن البنوك” لدى جهاز الأمن العام او قوات الدرك, مهمتها حماية المنتج المصرفي الوطني من العبث, على ان تقوم المصارف والبنوك الاردنية على تمويلها والصرف عليها بالكامل. ولا أظن ان هذا سيشكل عبئا يُذكرعلى نظام البنوك والمصارف والمؤسسات المالية الأردنية بشكل عام.
وبحسبة أولية بسيطة, وعلى افتراض وجود خمسمائة مصرف وبنك وشركة صرافة خاصة, او أكثر, عاملة على الساحة الاردنية, تحتاج الواحدة منها لخدمات ستة أشخاص لحمايتها, في ثلاث ورديات على مدار الساعة, فإنه سيتم توظيف ثلاثة الاف من المحتاجين للعمل او العاطلين عنه, ضمن منتج لا يحمي البنوك والمصارف فحسب, بل والأمن العام وهيبة الدولة والقانون, والثقة الثمينة بالأمن المصرفي والتجاري الوطني وبيئة الاستثمار, في الداخل والخارج.
ولا بد ان أؤكد هنا, على ضرورة ان لا تتحمل خزينة الدولة أو جيب المواطن, المرهقة اصلا, عبء تفعيل هذه الاقتراحات, او ربما ان تعمد الجهات المصرفية المعنية الى تحصيل تكاليفها من العملاء, برفع اسعار الفائدة او الخدمات البنكية, تحت مسميات ورسوم اضافية أخرى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى