«في حضرة الشعراء».. احتفالية في «بيت بلدنا» بالقصيدة

الرأي – محمد المعايطه – بحضرتهم وبحضرة الشعر، نسج كل منهم مداره، ورفع بين كفيه وروحه صوت قصيدته، تجمعهم حضرة الصوفي، يبتهلون فيها مددهم، ويكسرون سقف الكلام، لبيان كشفهم، فتية أضاء الشعر ذاكرتهم ورسم لهم شكل مسيرهم.
كان ذلك في بيت بلدنا للثقافة والفنون الذي احتضن فعالية «في حضرة الشعراء» التي ضمت ثمانية شعراء: مهند السبتي، خلدون عبد اللطيف، فوزي باكير، محمد عريقات، بريهان الترك، ماهر القيسي، وكان أحمد يهوى وعلاء أبو عواد حاضرين شعراً وليس جسداً.
الفعالية التي كانت افتتاحية نشاطات بيت بلدنا الشعرية بما يسمى «أربعاء الشعر» وكانت على هامش مهرجان أيام مجاز للشعر العربي، التي تواكبت مع سنوية ثورة الخامس والعشرين من يناير المصرية، قدم لها وشارك فيها صاحب السطور.
إفتتح السبتي هذه الفعالية بقصيدة لأحد الشعراء المشاركين بقصائدهم والغائبين بحضورهم، وهي قصيدة «غناء لخطوات تهجرها الوحدة» ليهوى، تنقل فيه بين البعد النفسي ووجودية الحالة، محاكية قصيدة النثر في لغتها وغريب صورها وجديده، باعثاً من داخل النص صوته الشعري الخاص الذي يحاول المغايرة بالشكل والفكرة والمفردة:
«أعتقد بأن الأجنحة التي يخبئها الله
تحت ضلوعنا..
لا ترانا بعد أهلاً للطيران
أعتقد أن الكون
لا يرانا نستحق فهمه
وأن الحيوانات..
تفترس بعضها
لتأكل أرواح بعضها
لا اللحم»
قدم المعايطه قصيدة بعنوان «الواحد» لأبو عواد، الذي يعرض فيها الشاعر فكرة الواحد وفلسفته، وجوانب جديدة ومغايرة للنظر لهذه الفكرة، خارجاً عن ذاته ولغته الى مدار جديد، يثبت فيه قدرته الشعرية المتمرسة، ومن هذا اقصيدة:
«الواحد..
من شق الدرب إلى وحدانيته بيديه
لا ذاك القابع منذ الأزل
وحيداً مذعوراً
كي ينعت بالواحد..»
ليفتتح عريقات بقصيدة «يداي بلا قيود»، محاولا أن يسير بلغته وصورته متنقلاً بين الحبيبة والذات والإنسان، مقترفاً شكله الخاص المحترف بصياغة جملته وخياله، ومن النص:
«لن يقفز النبض أعلى من السور
وسأركض في الشبر الذي بيننا
أجتاز ألف حديقة بين أنفي وعطرك
فالوقت يلهث..
والقلب كالسلحفاة يزحف بالقصيدة
نحو لساني..
لست شاعراً بقدر ما أنت قصيدة»
لتبقى الأمسية لهذه اللحظة بفضاء النثر بما قدمه باكير في قصيدتيه القصيرتين «أفول» و»ابنة السماء»، ذاهباً إلى أنسنة النص الشعري وجعل عوالمه أكثر إتساعاً، ومن «أفول»:
«كانت أرجوحة
لا تكف عن الصرير
كانت مأوى للعشاق
وللأطفال
وللمخمورين
هجروها
وغابوا
خلف سياج الغابة
ما عادت الريح تمر بها
لتهزها بالوهم قليلا
وتخفف عنها
آلام الوحدة..»
والعودة إلى التفعيلة قرأها القيسي في قصيدته «البكاء»، موسيقى نصه التي برغم من فراهيديتها، إلا أنها كانت هادئة تدور قريبة جدا من فضاءات النثر، ومن قصيدة «بكاء»:
«علينا أن نعير صدورنا
للريح في الأرض الخراب
كي تلتف أضلعنا وتجهش..
علينا أن نصار إلى الأرض
مرة أخرى..
وتبكي فوقنا عين الحقيقة
كي نذرف الدمع فينا
كل يوم..»
كان الحضور النسائي في الإحتفالية بالشعر لافتاً، بمشاركة الترك، بقصيدة» حقيبة الموتى»، المكللة بالأسى، ومنها:
«لأن قدمي..
لم تطأ أرض الأحلام
ألملمني من فوق فراشي
وأصحو..
في رأسي شوكة تخز ألف ذكرى
يا أنت..
في قلبي فجوة
بلل منديلي بالكحول
وداوني..»
تعود الأصوات الذكورية بعبد اللطيف، الذي قدم قصيدة من نتاجه القديم هي «الصنم»، وأبدى الشاعر في ما قرأ ثقافة واسعة، وحنكة لغوية في التنقل بين الأساليب والمجازات في القصيدة، ومن قصيدة «الصنم»:
«هم يغارون منك
فلا تنجرح كالبخور
ولا تتعجب إذا ما طواك زمان نبيّ
وعلق قدومه –عامداً- في يدك
ليكيدك إن ضاق سر اللغات
ويمشط وجهك باللافتات
صائحاً..
عابدوك استفاقوا ولم تستفق
فاترك الأرض لي ولهم
واحترق..»

المعايطه قرأ «هكذا قال المغني»، تنقل فيها بين أرهاصات وجودية تارة وتارة أخرى بالشعر وثالثة بالحبيبة، إلى أن أنهى النص بحديثه الطويل مع مغنيه وغياب المغني عن الرد في نهاية القصيدة، ومنها:
«تجيء مصلوباً على ورق
ماداً ذراعك صوب نفسك
صارخاً
خذوا عني الغطاء
أيقظوني إن غفوت
صابني صوت سماوي
فخلت بأنني عدم
هكذا قال المغني..
عندما بلغ الحلم»
لينهي السبتي بقصائد قصيرة جداً من بينها «تحليق، أكسر القشرة»، وهي من قصيدة النثر، ومن «تحليق»:
«الرصاصة أُطلِقًت في جسد الطائر
وانتهى العمر..
لكن الطيور أعلنت حدادها
بمزيد من الطيران والتغريد
حتى تعود روح الطيور جميعها إلى مهدها
والبشر إلى وداعتهم
فلا يقتلون متعة..»

أ.ر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى