شخصيات رمضانية / يوسف غيشان

شخصيات رمضانية

(1)
قد تكون رأيته في رمضان هذا العام …إملأ مخيلتك بضجيج سحنته السمحاء ، فقد لا تراه في رمضان العام المقبل .. عجلة التمدن تسلبه هذا العمل الذي بدأ قبل اربعة عشر قرنا ثم شرع بالإنحسار … مثلنا جميعا.
كان الناس يستمعون الى اناشيده بلهفة المؤمن ، لكن البعض يتذمر منه الان، خصوصا في احياء المسعدين والاغنياء … يا للغرابة .. كلماازداد الحي فقرا وتعاسه كلما كان استقباله اكثر حفاوة وكرما:
يا صايم وحد الدايم!
قوموا لطاعة الله !
طبل متواضع او ربما مجرد سطل فارغ ، أو اية قطعة تحدث ضجيجا ينبه الناس لسماع النداء .. نداء السماء للصلاة وللسحور. يظل هكذا على آهبة الانتباة لإيقاض الصائمين حتى يحل العيد.
صباح العيد يركن طبلته للزاوية حتى رمضان التالي ، ويرتدي افضل ما لديه من ملابس متواضعة ، ويدور على بيوت الحي ، بيتا بيتا ، ليبارك لهم بعيد الفطر ، حيث يعيّدونه بما تيسر تقديرا منهم للجهد الذي بذله في ايقاضهم خلال الشهر الفضيل .
مثله مثل مدفع رمضان الذي انقرض العمل به( في الواقع فان كل المدافع صمتت)، هو ايضا في طريقه للإنقراض ، لكنه يتحصن الان في أحياء الفقراء ، وهو يعرف ان الفقر لن يخذله، فما دام هناك اناس يزدادون غنى بشكل فاحش ، فهناك من يزداد فقرا بشكل أكثر فحشا.
“لو كان الفقر رجلا لقتلته” قالها رجل عظيم ذات قرن ، لكن الفقر ليس رجلا بل مرض مزمن لن ينتهي الا بتحقيق العدالة الاجتماعية في العالم اجمع.
(2)
هل تعطف عليه جاذبية نيوتن ، فتجعل حمله أخف وزنا؟؟ أم ان وهج عزيمته يتغلب على الجاذبية الأرضية ويطوعها مثل (أطلس) الذي يحمل الكرة الأرضية من الأزل الى الأبد عقوبة أو حرصا على الكائنات من الضياع في سديم الكون؟
سوس.. تمر هندي.. خروب وخلافه من المشروبات ، يحملها في دورق عملاق مكتظ بقطع الثلج فوق ظهره ويتجول في الأسواق لرفادة العطاش وأبناء السبيل. يتناول الكأس في يده .. ينحني فينزلق السائل البارد مثل شلال من الفرح ، يتناول زجاجة صغيرة تحوي مادة معطرة ومنكهة ينثّ منها القليل فوق الكأس … يناولك إياه بنشاط وثقة حتى ترتوي قبل ان يتلاشى السائل الطيب الذي حصلت عليه بقروش قليلة.
طربوشه الأحمر .. جبته المزركشة وبنطاله الفضفاض وابتسامته الدافئة تجعل السوس أكثر حلاوة والتمر الهندي اكثر اشراقا والخروب أكثر لمعانا. اشرب كأسه مع انحناءة ورشة عطر وابتسامة… فتهزم العطش .
ها هو الرجل يتخلص من ثقل احماله رويدا رويدا بعد ان يشربها الناس ، فيعود الرجل سعيدا بالتخلص من حمله الصعب الذي تحول الى قروش ودنانير تؤمن حليب الأطفال وخبز العائلة الحلال.
ghishan@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى