سَأخُونُ وطَنِي لِتّسعَدْ حُكُومَتِي / فداء العبادي

سواليف

سَأخُونُ وطَنِي لِتّسعَدْ حُكُومَتِي
فداء العبادي

يَبدُو أنَّ “محمد الماغوط” الأدِيب السَّاخِر والمُثيِر للعَجَبْ , حِين ألّف كِتابه ” سَأخُون وطَنِي ” كَان يعّتزِم خِيانَة وطَنه عَلنًا فِي زمَن الخِيانَات السّريَة .
حَقيقة لا أعّلم مَا كَان سَيفّعل لَو أنَّ الأقّدار شَاءت بهِ في وطَني وتَحّت حُكومَتي ؟ ولأيِّ نوعِ أوطَان سَيُصَنِفه , لأوطانٍ حَقيقية بِشعبٍ حُّر يَنّعم بالعَدل والكَرامة , أم لأوطَان مُزوَرة ,لا حَياة فيهَا سِوى للقّهر والذّل والفَاقَة .
أيُها الأدِيبُ [المَاغُوط] لَوْ أنّك لَم تَستعجِل الرَحِيل , لَحدّثتكَ مُطَولًا عَن وطَنِي :” الذِي نُولَدُ فِيهِ لِنّشقَى بِطُفُولَتِنا ونّحن نتلقَى الضَربَات على مُؤخِرتنا ,ثُم تبدَأ المأسَاة –نَكبُر مع أيّام الجُوع والرّكض وَرَاء الرّغِيف , ثم إذا جَاءت النّهَاية (نَمُوت) وقُلوبنا مُثقلَةٌ بالهُمُوم والتّعَاسَة مثل أشّجار الصَّبار .
لأخبَرتُكَ عن حُكومَتي , التي وضَعتْ الشّعب بَينَ مَرارَة الهَزائِم وغَضبُ العَاجزِ لِيَمتَصّوا آخِر رَمقٍ فِينا , بل ضَاقت أعّيُنهم عَلى آخِرمَا نمّلُك كَأردُنيين ,فَباتُوا يُسَاوِمُون الشّعب عَلى “أرّقَامِهم الوَطَنية” تحت ذريعة (الضَرائِب) , يُفصِّلُون القَوانين ويَضَعُون البُنود بِما يَتلاءم وهَواهُم .
أيُّ قانون هذا الّذي يَفّرض عَلى كُل مَن يَملُك رقّم وطَني وأتّم الثَامنَة عَشر مِن عُمرِه الحُصُول عَلى رقّم ضَريبِي ؟؟
هذا يعني – أنّ “الطَالب الجَامعِي” الّذي لا زَال يَأخّذ (مّصرُوفه) مِن والدِه مُلزم بِدفع الضَريبة .
و”العاطِل عن العَمل “مُلزم بِدفع الضريبة حتّى لَوْ “سَرق ” .
“ربَّات البيُوت والمُغتَربِين “ايضآ.
أمَّا الأدّهَى مِن ذَلِك فَأنّ هَذا القَانون الضَريبي لَمْ يَسّتثنِي حتى اولَئِك الّذين يُعَانون مِن (اضطِرابَات عقلِية ) كَيفَ لا؛ فَهُم يَحمِلون أرقامًا وطَنية ومُلزَمون بِهذا القانون شَأنُهم شَأن غَيرِهم , لِيُصبِح هذا “الرقّم الوَطني ” إذلالًا وقَهرًا وظلمًا .
ولم تَكتفِي بِهذا الحّد مِن الإذّلال , بل فَرَضتْ على كُل مَن لا يُقّدم إقرَار ضَريبي سَنوي , غَرامَة بقيمة 100 دينار كَائِن مَن يَكُون (عاطِل ,مريض ,مغُترب ,طَالب,ربة منزل … )
وكأنها تُحّملنا [جمِيلَة] العَيش على أرّضِ الوَطن . وَتّسعَى جَاهِدة من أجْلِ إفقَار الشّعب أكثَر مّمَا هو عَليه؛ مُتناسية ما قد يترتَبُ على الفقّر ِمن جَرائِم مُجتمَعِية وهَدف سَهل أمَام التّطَرُف والإرّهَاب. فهي [حُكومة ] لديهَا إسّتعدَاد تام لِرفع الاسّعار وفَرض الضَرائب على كُل شيء وفي أي وقّت , دُون أدنَى مُراعَاة للفِئة الوَحيِدة المُتضَرِرة وهي[ الطَبقة الفَقِيرة] محّدُودَة المَوارِد,كَثيرة الاسّتحقَاقَات .
لا أعَّلَم أيُّ خَطِيئة ارتكَبها الشّعب الأُردُني , لِيُسَّلِط “الله ” عَليهم حُكومة كهذة ,تَستَحّق جَائِزة [نُوبِل] في فّنِ رفّع الأسّعَار,وابّتِكار الضَرائب ,والإبّدَاع في وضع القَوانيِن .
مَاذا بعد قَانون الضَرائب المُجّحِف ؟
نقتَرحُ على الحُكومَة الرشِيدَة ,أن تُشّرع قَانون يُجِيز فيه للعَاطِلين عن العَمل والطُلاب الجَامعيين ومَن يُعانون مِن اضطِرابَات عقلِية,الدُخول الى (السِّجن )بَدلًا عَن كُّل مُتَّهم؛ مُقابِل المَال ,بِذلك سَيضّرِبوُن عُصفُورين بِحجَر (*سَيتمَكن العَاطِلون والطُلاب من تحقِيق مَكاسِب مَاليِة تُمكِنهم مِن دفع الضَرائِب *وسَيُساهِم في القَضاء على البَطَالة).
فَهل يُعقَل أنّ دولَة بِأكمَلِها [تّسحَقُ مُواطنيها] بالضرائِب لِسّد عَجز مُوازنَتِها , وهُم يُدرِكُون جيداً أنَّ أقّصى مَا يَطمَح اليهِ الشّعب [البَقاء على قَيد الحَياة].
تبقى المُشكلة كَمَا ترّنَم بِها “المَاغُوط” في كِتابه “سَأخُون وطَني “: (مُشكلتي في هَذا الوَطن أنّني أحتَرِم كُلّ شّيء فِيه حتَّى قُمَامَته,بِدليِل وأنَا عائِد في آخِر اللّيل سَقط علّي كِيسُ قًمامَه ,فَلَم أحتَج,ولم أنفُضّها عَن ثِيابِي ؛ولأنّني مِن طَريقَة سُقُوطِها عَلي عَرفتُ أنّها زبَالة مَدعُومَة. )
وعَاوَدني السُّؤال مُجدداً “للماغوط” : هَل نَحن الّذين نَخُونُ الوَطن,أمّ الوَطن هو مَن يَخُون ؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى