د . محادين يحلل أسباب فشل اللقاءات الحكومية

سواليف
سقف المواطنين المرتفع هو المعامل الموضوعي لمعاناة أبناء الوطن

الحكومة خسرت معركتها في المحافظات قبل أن تبدأ

أبناء المحافظات يعانون من فجوة التنمية وغياب المصدر الموثوق

“وزراء المحافظات” أسهموا بتعزيز المشكلة بدلاً من تخفيف حدتها

الرصيد الاعتباري والمعنوي للرزاز أصبح محط نقاش أكثر قسوة

على الحكومة أن لا تتضايق من سقف المواطنين المرتفع في المحافظات

فشل الحوار في المحافظات يعبر عن ضعف أدوات الخطاب الحكومي

إن لم يبث المواطنون مواجعهم بطريقة سلمية فنحن مهددون بممارسات أكثر عنفا

حوار المحافظات يمكن توظيفه بتحسين شروط المفاوض السياسي مع صندوق النقد

أكد الدكتورحسين محادين أستاذ علم الاجتماع في جامعة الحسين أن الحكومة فشلت في الحوار الذي أطلقته في المحافظات للنقاش حول مشروع قانون ضريبة الدخل قبل أن تبدأ، لعدد من الأسباب الموضوعية وعلى رأسها غياب المصداقية والثقة بينها وبين المواطن، مشددًا على ضرورة الاستمرار بهذه الحوارات وتعميقها والبناء عليها وعدم التضييق عليها والخوف منها لاحقًا.

وقال محادين في تصريحاتٍ صحفية: “إنّني أثمن إطلاق فكرة الحوار والدليل على ذلك أنّنا استمعنا لوجهات نظر متباينة في أحايين وفي أحايين أخرى سمعنا صراخًا ولم نجد أفكارًا بديلة”.

وأضاف أنه ما كان للمتابع أو الأكاديمي أن يصل إلى هذا الاستنتاج لو لم تتح أو يتيح الحوار الوطني مثل هذه الفرص المهمة؛ مستدركًا بالقول: ولكن ثمّة قول عقلاني مفاده أن المعارك أو الإقناع يكسب عادة قبل بدئه، أي بكيفية الإعداد له ومدى ومنسوب الثقة المتبادلة بين الطرفين المتحاورين، وبالتالي هذين العاملين لم يتحققا للاسف بصورة قبلية مقنعة كي يكون هذا الحوار – الذي تزامن مع هزات وطنية كبيرة ليست آخرها قضية الدخان ومصاحباته، وغياب المصدر الرسمي للحديث المقنع عن هذه الممارسة”.

وتابع محادين، قائلا: “لعل المواطن الأردني الذي يثق بقضائه كان يتمنّى على أن لا يمنع الحديث في مثل هذه القضايا الحيوية التي قيل بأن الحديث فيها يمكن أن يعرقل خطوات التحقيق، وهذا رأي ينظر له بعين واحدة من الحقيقة بالنسبة للمواطن، والعين الثانية يبقى المواطن متأرجحاً بين الإشاعة وضعف الخطاب الحكومي الإعلامي، وتراجعات هذا الخطاب المتكسرة للأسف، وكلها عوامل قادت لجعل الحوار في المحافظات حوارًا متحشرجاً، لا يقوم على الإيمان بالتعددية، خصوصاً وان المواطنين في المحافظات يعانون من مشكلتين رئيسيتين في الأصل قبل هذا الحوار”.

وأوضح أستاذ علم الاجتماع السياسي أن المشكلة الأولى تتمثل في فجوة التنمية، بين العاصمة عمّان والمحافظات، فيما يمثل المشكلة الثانية غياب المصدر الموثوق الذي تجلّى بغربة الوزراء عن أهاليهم في المحافظات.

وتابع، بالتالي عندما نتحدث عن اختناقات هذا الحوار والمواقف الجريئة للمواطنين، لا بد من القول أن هذا الطرح هو المعامل الموضوعي لمعاناة أبناء الوطن بشرائحه الفقيرة والمتوسطة النسبية، مثلما يعبر عن ضعف أدوات الخطاب الحكومي والأهم من ذلك عدم تقبل أبناء المحافظات لمن كان أو برر توزيرهم على أساس التمثيل المناطقي، فجاءت الخسارة مضاعفة لحكومة الدكتور عمر الرزاز، وجاءت أضعافًا من ذلك للوزراء الذين نحترمهم وإن اختلفنا معهم في أدائهم بمجتمعاتهم المحلية، على حد تعبيره.

وشدد محادين على أنه ثبت من خلال لقاء الفريق الوزاري بالمحافظات للنقاش حول قانون الضريبة، أن أوجاع المواطنين وفقرهم وبطالة أبنائهم وعدم الاستماع إليهم ميدانياً كما يوجه جلالة الملك كلها عوامل جعلت من أبناء المحافظات الموزرين نيابة عنها على مسافة بعيدة من التأثير أو إعادة توجيه الحوار نحو منجزات الدولة المتعاقبة التي نحترم من جهة والتي نختلف معهم فيها من خلال قانون الضريبة بشكلٍ أساس.

وقال أستاذ علم الاجتماع: “جاءت تعابير وأطروحات الحكومة مكررة مستنسخة إلى حد وجد جزء من الفريق الوزاري ملاصًا من هذه المواقف المحرجة بقوله أن الفريق الوزاري انسحب أمام أطروحات الناس، أو عدم التزام بعضهم بقيم الحوار الهادئة، وهذا ملمح ضعفٍ آخر وقعت فيه الحكومة باعتقادي ومن منظور علم الاجتماع السياسي خصوصاً وأن الرصيد الاعتباري والمعنوي الذي تفاءل به المواطنون خيرًا بشخص الرئيس الدكتور عمر الرزاز قد أصبح محط نقاش أكثر قسوة ووضوحًا منذ بداية هذه الحكومة وانقضاء ما يزيد على مائة يوم على تشكيلها والوعود التي أطلقتها”.

وشدد محادين على أن طبيعة الحوار الوطني تقتضي استخدام الحكومة لأدوات متعددة في الإقناع وضرورة تفعيل دور المحافظات ومجالس المحافظات التي جاءت بإرادة ملكية من شأنها أن تخفف من الاحتقانات بين المواطنين وأي حكومة لأنهم هم الذين يكونوا مساهمين في صياغة مشروعاتهم وأمانيهم التنموية.

واستدرك بالقول: “رغم إدراكنا العميم أن ما يجري في الإقليم له دور واضح لا سيما الحصار الذي يتعرض له الوطن منذ العام 2011م فيما يتعلق بالمساعدات أو موقف الأردن من القدس أو ما يسمّى بصفقة القرن، وكلها عوامل أثرت على ضعف الأداء الحكومي إضافة إلى زيادة الأعباء الضريبية على الشرائح الأفقر والسعي لمسامحة من تهربوا ضريبيًا بحجة أن مشروع هذا القانون فيه من المواد ما يوحي بأنه يمكن أن يجبّ ما قبله.

وتابع حديثه بالقول: “أي أن الأثرياء هم دائمًا الكاسبون في مثل هذه المشاريع، وأن الفقراء والموظفين هم المتضررون بقوة، خصوصًا وأنّنا لم نسمع منذ سنوات عن أي زيادات بمداخيل الناس ولم تلتزم الحكومات المتعاقبة مع الأسف بربط حجم التضخم مع روابط المواطنين كما أوعز مرارًا جلالة الملك عبدالله الثاني”.

ووصف محادين حال المواطن بأنه بقي متأرجحًا بين ما يسمع من الحكومات المتعاقبة وبين ما يرى من نصوص قانونية جائرة على دخله، وأقصد هنا الشرائح الدنيا التي اكتوت بنتائج الخصخصة من قبل، وبوعود الحكومات ولم نجد اقتصادًا حاميًا لهذه الشرائح كجزء من التدرج في تطبيق الخصخصة كما حصل في كثير من دول العالم، أي ما يعرف بالاقتصاد الاجتماعي الضامن، خصوصاً وأن رئيس الوزراء كان رئيس لجنة تقييم الخصخصة أو التخاصية وصدر عنها تقرير مهم؛ لكن السؤال بين أداء الرئيس الذي نحترم حينما كان رئيسًا للجنة وعندما أصبح رئيسًا للحكومة، هنا يتعاظم الترقب والغموض المعرفي على أيٍ منهما يستند المواطن الأردني.

الخروج من المأزق

وأكد أستاذ علم الاجتماع أن لا سبيل للخروج من هذا المأزق إلا إذا فُعّل القانون بمحاسبة المتهربين ضريبيًا، وهم معروفون كما سمعنا من وسائل الإعلام وعليهم أرقام كبيرة، على حد تعبيره.

وشدد على ضرورة أن تنزعج الحكومة وحتى الجهات المختصة ولا تتضايق من أطروحات المواطنين لأن الإفصاح عن مثل هذه المواجع بطريقة سلمية اكثر ضماناً وفرصة لتقويم ما يعتور الحالة السياسية والاقتصادية في الأردن وفي الإقليم، خصوصًا وأنّنا مقبلون على احتمالاتٍ عديدة ضمن ترتيبات الإقليم.

وطالب محادين الحكومة بإعادة إنصاف الفقراء والشرائح الدنيا اقتصاديًا والموظفين، وإن كان هناك من تعديل على قانون الضريبة فيكون على المؤسسات التي تجني الأرباح، لأننّا بهذا القانون نوسع الهوّة بين شريحة قليلة تملك الكثير وتملك الثراء والنفوذ، وبين أغلبية عظمى تكتوي بنار مثل هذه القوانين مثلما تكتوي بسوط الأسعار التي تلتهم مداخيلهم دون قلبٍ أو نبضٍ ودون أي معنى لديها باستثناء تعظيم الربح ولو على حساب قيمة الإنسان رجلاً كان أو امرأة.

العدوى الاجتماعية

وأوضح محادين كيف أسهم الإعلام والسوشيال ميديا وثقافة الصورة والتفاعل اللحظي “البث المباشر” بتعظيم ما أسماه “العدوى الاجتماعية” التي أثرت على المتلقي في محافظات أخرى، فبعد لقاء الطفيلة على سبيل المثال لا الحصر اندلعت هذه الممارسات مكررة بعناوين ووجوه متعددة ترفض هذا القانون وترفض الحوار مع الفريق الوزاري، مثلما أكدت أن هذه الفيديوهات أظهرت قادة محليين اقرب إلى نبض المواطنين في المحافظات من ممثليهم في الوزرات، على حد تعبيره.

وأضاف قائلا: “بالتالي علينا أن ننظر إلى هذا النوع من الثقافة والسقف العالي من الحرية الذي نقدره لأردننا العزيز، ونعمل على تعميقه لا بتضييقه لاحقًا، وأنا مؤمن كأكاديمي وسياسي أن الدولة تمثل البحر وبالتالي على المسؤولين أن لا يذهبوا إلى القنوات والهويات التي هي أضيق من الوطن”.

وأكد أن غياب المصداقية بين المواطن والحكومات المتعاقبة يجب جسره في حوار حقيقي وإجرائي، هل تأخذ الحكومة بالملاحظات التي ذكرت؟ وهل تمتلك الحكومة سلطة أن تقول لا أو تمرحل برنامجها مع صندوق النقد الدولي؟ هل هذا القانون مفروض علينا أو يمكننا تحسين شروط التفاوض مع صندوق النقد الدولي؟.

وبحسب محادين، فإن مثل هذه الحوارات القاسية تحسن شروط التفاوض السياسي والاقتصادي مع صندوق النقد الدولي، لأن لدينا تجارب مع دول العالم الأخرى في اليونان وغيرها، إذ ساهم الحراك الشعبوي بمثل هذه القوانين بتحسين شروط المفاوض السياسي مع صندوق النقد الدولي.

وأعاد تقديم النصح لصناع القرار في الأردن بالقول: “علينا أن لا ننظر لمثل هذا الأمر بأنه يهدد الأمن كما يحلوا للبعض أن يظهره، والموضوع ليس أخلاقيًا، ولكنه يظهر كيف عبّر المواطن بصدقية وبثقة في ديمقراطية بلده في رفض أو محاورة صناع القرر الذين لم يسبق لهم أن حاوروا الناس بهذا العمق وبهذه الأوجاع بصورة وجاهية وميدانياً، وهذه النقطة إيجابية وتسجل لحكومة الرزاز رغم خلافي معهم في العديد من النقاط”.

وختم بالتأكد على حديثه السابق: “ليبث الناس مواجعهم بطرق سلمية، لأننا في حالة الاختناق لا قدر الله، فنحن مهددون بممارسات أكثر عنفًا”.
البوصلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى