دين و مقاومة الخنازير / م.إسماعيل البطوش

دين و مقاومة الخنازير

يحكى أن بستاناً يانعاً ذي ظلال و أنهار …
فيه من الأحياء ما فيه …
فيه قطيعان من الضرابين و الخنازير ….
في يومٍ ما ! تطرق القطيعان إلى تحديد المصالح و المفاسد و تحديد السيطرة على ذلك البستان .
اعتركا و نشب بينهم معركة ! و حمي الوطيس بينهما في حقل الزهور ….
أخذ الضرابين بإصدار رائحة كريهة لحماية أنفسهم بين الأزهار ، و أخذ الخنازير بحرث المكان بحوافرهم و نطح الضرابين …
تم تخريب جزء كبير من البستان و أفسد الضرابين رائحة المكان .
قرر ضربان من القطيع الهجوم إعلاميا على الخنازير كون الإعلام المرئي لا ينقل إلا الصوت و الصورة ولا الرائحة ….
فجيش الإعلام نحو هذه الفكرة ! و أخذت الغابات و البساتين بالتعاطف مع الضرابين بحجة المقاومة السلمية و حماية البستان من تخريب الخنازير كونهم لم يروا الضرابين إلا عزلاً و أحجامهم أقل من أحجام الخنازير ….

أخذت الصور بالإنتقال عبر وسائل التواصل الإجتماعي و القنوات الفضائية ، و تم إنشاء الندوات لذلك ، و علت أصوات التنديد بما فعل الخنازير .
طلب الخنازير من المجتمع الدولي الدخول إلى البستان الخرب ليروا ما فعل الضرابين بهم .
عند دخول المحكمين إلى البستان … هلك نصفهم من الرائحة الكريهة في ذلك المكان و تغير الموقف العام !!!

بدأت الإصوات تتغير بين المؤيد و المعارض للطرفين …. و بدأ صوت حماية البستان يعلو بين المنظمات الدولية لحماية كل من يعيش في ذلك البستان .

قرر ضربان خبيث أن يلعب على الوتر الديني لإنقطاع وتر نقل الصورة من بعيد بعد ما فضحته رائحته النتنة .
أحضر الضربانُ عالمَ دينٍ حافظٍ غير واعٍ، و قال له : أليس الله جل في علاه قال ( ُقلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ) ؟
قال العالم : بلا .
قال الضربان : إذن ، فقتالنا ضد الخنازير قتالاً مقدساً بحكم الآية الكريمة ! .
قال العالم : الخنزير نجس ، و يجب أن يُقتل و يُطعم للسباع ، سيروا على بركة الله .
أخذ الضرابين بحشد المتوطعين و تجييشهم بفتوى الجهاد ضد الخنازير و عملوا معسكرات و أسسوا دوائراً للتثقيف و التوجي المعنوي و الثوري … و وعدوا كل قتيل من الضرابين في الجنة .

اشتد الوطء على الخنازير ، و تراجعت أسهمهم و بدأت شوكتهم بالإنكسار !
و أدرك زعيم الخنازير أن الوتر الديني لا يُضحد إلا بوتر ديني أكبر! و جموعٍ أكثر خشية!
ذهب زعيم الخنازير إلى عالمٍ حافظٍ غير واعٍ و قال له : ألسنا من تغلب على هذا البستان أولاً ؟
قال العالم: بلا ، و إن كنت لا تملك الحق فيه لكنك تغلبت و الله المستعان .
قال الخنزير : هل الخروج على الحاكم جائز ؟
قال العالم : أعوذ بالله ! هذا حرام و حكمهم حكم الخوارج الذين خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه . و قول الإمام فلان و فلان في ذلك كذا وكذا و لنا فيه سابقة في بستان آخر في مكان آخر .
قال الخنزير : إذن ، نحن في قتال ضد الخوارج لتصحيح الدين ! فإني سمعت أن الضرابين يقنتون في صلاة الفجرو يقولون في الإسماء و الصفات كذا و كذا !
قال العالم : و هل الضرابين مسلمون أصلاً ؟
قال الخنزير : سمعت الأذان من جانبهم و لا أدري أهو لهم أم للمتطوعين الخوارج بينهم ، و سمعت أنهم سبوا كل إناث الأرانب في البستان .
قال العالم : اجعلني أعتلي منابر الخنازير و أنا بذلك زعيم .
بدأ العالم بنشر فكرة الإمام الخنزير صاحب الحق و أخذ بنشر الوعاظ بين الخنازير للتحذير من قطيع الضرابين و المتطوعين بذلك .
اشتدت المعارك ألى أن تم تدمير البستان كاملاً و تم تهجير كل من فيه إلا الخنازير و الضرابين و من تطوع معهم .
بعد هذا الخراب … جاء سرب من العقبان و قطيع من الضباع ….. نظروا من بعيد ! و رأوا حجم الجيف السمينة الممتلئة في أرض المعركة !
حاول كلٌ منهم التفاوض مع كل الأطراف سراً دون علم الآخر، و يوهم كل طرف بانه الداعم له دون الآخر و دون علمه أنه يريد أن ينتفع بالجثث المتراكمة ….
طالت المفاوضات بين العقبان و بين الطرفين كلا على حدة … و طالت المفاوضات بين الضباع و الطرفين كلا على حدة .
توصل العقبان و الضباع إلى أن النتيجة مستحيلة بالتفاوض ، و أن عليهم التوصل لطريقة تقضي عليهم ليفرغ المكان للقطعان و الأسراب .
قررت الضباع أن تترك الأشلاء و الجثث للتتعفن و ينتشر الوباء في البستان . و قررت العقبان أن تلقي الطعام الذي لا تأكله هي و تأكله الخنازير و الضربان لتسمن قبل الموت الذي سيخيم على المكان . و طلبت من عالم حافظٍ غير واعٍ أن يفتي لبقية الرعايا من غير الضربان و الخنازير بأن السفر لهذا المكان حرام لعدم وضوح الراية و يجب عليكم الهجرة منه لأن أرض الله واسعة .
استمرت المعركة خمسة أعوام حسوماً وتم ما خلُطط له ….
و استولى سرب العقبان و قطيع الضباع على المكان ….
و دمتم سالمين .

اظهر المزيد

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى