حليمة وعادتها القديمة / د. هاشم غرايبة

بعد أن أقر مجلس النواب الأردني (كالعادة) قانون ضريبة الدخل الجديد كما ورد إليه من الحكومة، والتي بدورها نقلته كما ورد إليها من البنك الدولي، استنفر المريدون والأتباع المنتفعون من أعطيات النظام (وكالعادة أيضا)للدفاع عن القانون والتغني بفضائله. كتب أحد هؤلاء، والذي يُبتعثُ أولادُه الى أمريكا ليدرسوا على حساب الدولة، فيما يبقى هو في الوطن لينال عطاءات حصرية بالملايين، يطالب المواطنين بتقبل ما يفرض عليهم بقوانين الجباية لتسديد فواتير الفاسدين، مذكرا إياهم بواجبهم الوطني تجاه وطنهم لدعمه في هذه الظروف الصعبة، والتي ما جعلها صعبة إلا هذه العلقات الملتصقة بجلد هذه البقرة الحلوب من أمثاله، تمتص دمها، فلا تتيح لها أن تدرّ ما يكفي ابناءها. نعم إن ضريبة الدخل واجب وطني يجب أداؤه، ويحق للدولة أن تجبي من المواطنين إن تهدد الوطن أزمة اقتصادية أو عدوان من عدو طامع يستهدفه. لكن الأمر كان سيتم بسلاسة ويتقبله المواطنون برحابة صدر، إن كان تحميلهم كلفة باهظة سينقذ البلاد والعباد، لو كان نظام الحكم ينتهج منهج الله. لنأخذ مثلا مقارنا حدث حينما كان الملك “سيف الدين قطز” حاكما لمصر، واحتل المغول بلاد الشام، وقد كان “قطز” حينها حديث المجيء إلى الحكم، وهولاكو وجيشه من المغول على مقربة من بلادهم لغزوها، وكانت الدولة تمرّ بأزمة اقتصادية خانقة، فاستفتى شيخ العلماء “العزّ بن عبدالسلام” أن يفرض على شعبه ضرائب لتجهيز الجيش لمحاربة التتار، فكانت الفتوى الشرعية: “إذا طرق العدو البلاد وجب على العالم كلهم قتالهم (أي العالم الإسلامي)، وجاز أن يؤخذ من الرعية ما يستعان به على جهازهم (أي فوق الزكاة) بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء، وأن تبيعوا مالكم من الممتلكات والآلات (أي يبيع الحكام والأمراء والوزراء ما يمتلكون)، ويقتصر كل منكم على فرسه وسلاحه، وتتساووا في ذلك أنتم والعامة، وأما أخذ أموال العامة مع بقاء ما في أيدي قادة الجند من الأموال والآلات الفاخرة، فلايجوز”. ولما كان قطز (رحمه الله) يحكم بما أمر الله، فقد التزم بتنفيذ الفتوى، فبدأ بنفسه، ثم بمن حوله من حاشيته من أمراء ووزراء، ولم يضطر بعدها لفرض أي ضريبة على شعبه لأن ما كان في حوزة أصحاب المواقع والمناصب كان كافياً لسد العجز الحاصل، فحارب وانتصر على جيش كان يعتبر وقتها جيشا لايقهر، وأنقذ الأمة. هذه القصة تفسر الحالة النقيضة للأمة عندما تسلم “السيسي” حكم مصر وهو حديث عهد به، لم يكن ما تواجهه مصر من مصاعب اقتصادية بأعظم مما كانت تواجهه في زمن “قطز”، ولا كان خطر إحتلال المغول الهمجي يهددها، بل كان الأمر يتطلب إدارة شؤون البلاد بحكمة وعدالة، لكن ما حدث العكس، فالمليارات السحت التي نالها الحاكم تبخرت في أودية الفساد، ليصدق فيها قوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً”. وهكذا يمكننا فهم لماذا تمتلك الأمة من الأموال في الخزائن والكنوز المودعة في باطن الأرض ” مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ”، لكنهم باتوا أذل أمة معاصرة، وأقلها منعة وسؤدداً، بعد أن استبدلوا بالعبودية لله المُعِزّة الرافعة، العبودية لشذاذ الآفاق ومن فرض الله عليهم الذلة والمسكنة الى يوم الدين. إذا فالمسألة ليست نقصا في الأموال والأنفس والثمرات، لكنها بسبب استبدال حكام الأمة الذي هو أدنى بالذي هو خير. وإلا كيف نفسر تراكض العربان، وراء فتات البنك الدولي، وأفقر حاكم منهم يملك أكثر منه؟. وهل يمكن أن يسترجع المسجد الأقصى من باع أملاك وطنه ليراكم المليارات في رصيده وأرصدة حاشيته؟..وكيف ينال من الله النصر، مثلما ناله “قطز” الذي باع أملاكه وأملاك حاشيته لينصر وطنه وأمته!؟.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى