” راتب .. لا !!! ” / د . محمد شواقفة

” راتب .. لا !!! ”

على غير عادتي استيقظت باكرا و ترافقني روحي المتفائلة بعد ان سمعت ان الدولة قررت على غير عادتها زيادة الرواتب… لا تعرفون مدى فرحتي و ذلك انني كغيري من المواطنين ” هرمنا لأجل هذه اللحظة” و فعلا لقد تحققت وعود الحكومة بالخروج من عنق الزجاجة و سننعم كباقي خلق الله بالرفاهية الاقتصادية التي يتحدثون عنها …. وإن كانت هذه الزيادة رمزية و بالكاد تغطي نفقاتي الاضافية لتشغيل ” أرغيلتي” مرتين …و بهذا أكون قد خففت من قائمة مشاكلي المالية و لم يتبق امامي سوى ثلاثة آلاف و خمسمائة و اثنان و ثلاثون التزاما مستحقا …. الحمد لله !! و كما يقال ” حصوة بتسند جرة “و لربما أتخلى فيما بعد عن هوايتي الوحيدة و امتنع عن التدخين فأحافظ على صحتي ….و قد تكون أعضائي الداخلية من رئتين و قلب و كبد و كلى صالحة للبيع … ” بعد عمر طويل ” …عفوا صالحة للبيت و قد أستطيع التوفير و ابدأ مشروعا استثماريا قد ينقذني من انتظار الراتب كل آخر شهر … و قد يكبر مشروعي و ينمو و أفتح فروعا كثيرة قد تنعش الاقتصاد و لربما أحل مشكلة البطالة و أخفف العبء عن الحكومة .
لا يمكن أن انكر فضل الحكومة علينا كمواطنين يعتاشون عليها و يمتصون كل مقدراتها ….. لذلك سأبدأ طريق الألف و تسعمئة و عشرون خطوة بأول خطوة …. و اذا لم يعد في العمر متسع لأخطو ستكون الطريق معبدة لأولادي او ربما أحفادي من الجيل العاشر لرؤية منظر الطريق بعد أول ألف ميل ….و لن أنكر أبدا أن تأثير هذه الزيادة أعاد لي ثقتي بالحكومة و بأن القادم لا بد أن يكون أفضل. و بأن بلدنا لا تزال بخير رغم كل ما نراه و نسمعه و نعيشه … و انه لا يزال هناك متسع من الوقت لأخطط لحياتي ….!!!
طلبت من سيدة المنزل أن تكتب لي قائمة بكل المتطلبات المؤجلة و طلبت من ابنائي ان لا يفوتوا أي فرصة لتحقيق كل تلك الوعود ….فقد وصل الفرج و العون بفضل الله كثير …. وقفت امام بسطة جارنا البقال و رحت أطلب منه أن لا يترك صنفا دون ان يملأمنه كيسا أو اثنين … و رغم دهشته و استغرابه فاجأني بسؤال استنكاري: حتى ” البيتنجان !!” فأومأت له بالايجاب لأن المسألة مسألة مبدأ ….
كعادته أحب أن يمازحني…. ” شوه ملاقي لقية ” …فابتسمت و أخبرته بموضوع الزيادة …. ضحك كثيرا و هو يلملم أكياسه و يعيد الخضروات و الفواكه لمكانها و قال: “صاير تعرف تمزح “… لا بد انك لم تسمع الاخبار اليوم ؟! … هناك زيادة على الضريبة و زيادة على الاسعار …. التضخم يزداد و المديونية تتضخم و الوقود ارتفع … و الدينار صار بقيمة الليرة و سعر الين و المارك و الحروش و البطيخ المسمر بالعلالي …صارت اعمار الناس بتنحسب حسب تسعيرة اوبك …. و نشاط ليلة الخميس بيحدده البنك الدولي ….. و لولا الله و دعوات المساكين يمكن ما تلاقي مساحة قبر تندفن فيه في بلدك ….
تراجعت قليلا و عدت ادراجي ترهقني الخيبة و قلت له ” أعطيني معسل و سجلهن عالدفتر لآخر الشهر”…. ضحك بصوت يشبه القهقهة …. “سمعت أنه ما في راتب هذا الشهر ”
هزمني ذلك اللعين … لكنني فاجأته : ” أصلا أنا مش موظف !!”
حمدت الله كثيرا انه كان بجوار بسطة ” البندورة” و لم يك بجوار حبات الاناناس … كيف سأشرح لسيدتي بقايا ” البندورة المفغصة ” على ثوبي …

” دبوس لاحس الخمرة ”

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى