الياذة عربية ونص / يوسف غيشان

الياذة عربية ونص

أغنية قديمة لسميرة توفيق تم إنتاجها وتصويرها في التلفزيون الأردني، بالأبيض والأسود، أيام زمان، نشاهد سميرة وهي تتهزهز مثل مصاب بالتهاب القولون العصبي وتغني قائلة:
رف الحمام مغرب ……………………….!
فيما تنهمك مفرزة من الرجال المتجهمين بياقات منشأة وبذلات رسمية بالغة الوقار ووجوه متقززة، تنهمك بالصراخ بكلمة واحدة، بعد كل مقطع تنشده أم السماسم ، إذ كان عليهم أن يقولوا فقط كلمة :» يا دادا» ويكررونها بلا هوادة، حتى تنهي سميرة وصلتها الغنائية . وفي أغنية أخرى ــ مع نفس المطربة البدوية السمراء -المراهقة آنذاك ــ يكرر أولئك الثلة من العتاولة كلمة:» أيوه أه».
لما كبرت وترعرعت أدركت بأن هذه الكلمات – اليادادا وما يشابهها من أوضاع التكرار ــ هي أهم الكلمات التي يمكن أن تقال في العالم العربي، وإنها أسهل طريقة لكسب العيش، ليس في الأردن فحسب، بل في الوطن العربي بأكمله بلا منازع ولا محتضر ولا مدافع.
للذي . يحكي… يسرق … يلهف… ينام…، وأنت ما عليك سوى أن تقول: يا دادا أو ايوه أه … طبعا لا داعي لتنفيذ التعليمات أو الأوامر … المهم الطاعة لفظيا وأمام الناس. وبعدين كل شيء بتدبّر.
وإذا لم تكن من منشدي اليادادا العربية تلك، أو حتى لمجرد أن صوتك يشكل نشازا في الفيلق، فان عليك أن تتحمل النتائج، أنت وعائلتك وأقاربك، حتى الجد الخامس بعد الألف.
كبرت واكتشفت إن هذه اليادادا الأردنية هي يادادا عربية بالضرورة. وهي بالنسبة للعرب في مكانة « الإلياذة» للشاعر الإغريقي العظيم هوميروس التي يحترمها العالم اجمع وهي تجسد ملحمة حرب طروادة.
كبرت واكتشفت بأن إلياذتنا هذه موجودة في كل مكان …. في البيت والمدرسة والشارع والمكتب وفي علاقة الأب والأم في الأبناء … وهي موجودة في الجامعة وفي المصنع والدائرة الحكومية … وفي العمل الحزبي المؤيد والمعارض في جميع اتجاهاته.
إذا لم تكن من أصحاب اليادادا يتعامل معك المجتمع لكأنك من أصحاب الأخدود. أنت كافر ملحد زنديق خارج عن نمط المجتمع وعاداته وتقاليده وقيمه ….
إنها أغنية عظيمة تعبر عن وعي سياسي مبكر لدى كاتبها ومنتجها ومغنيتها…
بسبب ذلك فإننا ندور في ذات الدائرة. لا نتقدم ولا نتأخر. لا نصحو ولا ننام لا نبتسم ولا نتجهم … لا نكسل ولا نعمل. لا نحيا ولا نموت.
راح الجد وأجا المزح:
إذا لم نكبّ نظرية اليادادا في سلة المهملات فورا وإلا . فعلينا السلام !!!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى