برمجة هردبشت / يوسف غيشان

برمجة هردبشت
لا يكاد يمرّ شهر إلاّ ونسمع أو نقرأ عن اختراع أو اكتشاف جديد سيغير وجه العالم في المستقبل القريب، لعلّ أكثرها أهمية ، حتى الآن ، تصنيع الخليّة الحيّة ، ممّا يتيح المجال لتصنيع بكتيريا تُحوّل الكربون الموجود في الجوّ إلى طاقة يمكن تسخيرها لخدمة الإنسان، بدل الطاقة البترولية ومشتقاتها.
وقد لفت نظري خبرٌ آخر ، جاء فيه أنّ العلماء تمكنوا من رصد أفكار البشر عبر أشعة معينة تسلّط على المخ ، وقال أحد العلماء المشاركين بأنّ نتائج الدراسة تثبت أنّ أشعة الرنين المغناطيسي يمكن أنْ تقرأ الأفكار، ولكنّه قال أنّ الطريق ما يزال طويلا حتى نستطيع قراءة أفكار الناس ، لكننا سنصل إلى هذه المرحلة يوماً ما ، بعد أن حدّدنا مدى ارتباط أشعة الدماغ بالنشاط الكهربائي للمخ .. للعلم ، هذه الإبحاث تجري لمساعدة مرضى الشلل الدماغي على المشي.
طبعا ، نحن العربان نتابع ما يجري ، وكأنّه جزء من فيلم خياليّ علميّ مثير ، لا دخل لنا فيه .. نحن مجرد مشاهدين.
أقصى أمنياتي – ولأسباب أنانية – أتمنّى أن لا يتم هذا الاختراع خلال حياتي ، أو على الأقل أن لا يصل إلى الحكومات العربية خلال تلك الفانية !
خذوا حبوب التمييع الخاصة بمرضى الجلطات وتخيلوا ما سوف يحصل حينما يصل هذا الاختراع ( الأصل منه مساعدة مرضى الشلل الدماغي ) إلى عالمنا العربي :
طبعا ، سوف يصل إلى المراكز الأمنية قبل وصوله للمراكز الطبية ( إذا وصل إليها أصلا ) ، وسوف يتم في معظم الدول العربية إنشاء دوائر عامة لقراءة أفكار الناس وتحليلها واتخاذ الإجراءات (المناسبة) ضد أصحاب الأفكار المناوئة للحكومات ، فقد ولّى عصر انتظار الناس حتى يقوموا بأعمال منافية للقانون أو معارضة للحكومة ، لا بل علينا محاسبتهم قبل تحويل أفكارهم وأحلامهم إلى ممارسة واقعية .
سوف يغيّر الحاكم العربي القوانين ليحاكم شعبة على التفكير والتخيل والحلم ، وهذه ما يعتبرها أقصى درجات الحكمة والحصافة وسداد الرأي (والرأي الآخر) .
وسوف يجد من المثقفين والكتاب من يدافع عن هذه الطريقة الجديدة باعتبارها تحمي المواطن من التفكير السيء ، وتوفر على الخزينة المليارات التي تصرف على مكافحة الشغب والأحزاب والمعارضة وتصنيع الأحزاب المؤيدة والوسطيّة ، وتوفر أيضا الوقت على البرلمانيين الذين يضيّعون أوقاتهم وأوقات الحكومات في مناقشات سفسطائية لا داعي لها بعد هذا الاختراع .
لا داعي بعد الآن للسلطات الأخرى ، إذ تم إلغاء كامل المسافات بين الحكومة والشعب ما دام هذا الاختراع يوصل كامل الأفكار لصناع القرار ويتم ( التصرّف ) فوراً لمعالجة أيّة مشكلات قبل أن تحصل .
طبعا ، سوف يبقى مرضى الشلل الدماغي يعانون كما في السابق لأنه لا خوف منهم .
هذه هي الطريقة العربية في تطويع التكنولوجيا !!
من كتابي(هكذا تكلم هردبشت)الصادر عام2011

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى