الميزان الصحيح  / إبراهيم حجازي

الميزان الصحيح هو النظر إلى الخُلُقِ والسيرة لا إلى الخَلْق والصورةيا أخي! أراك تتزين بثيابك وتُعْنى بها، وربما لا تكون بهذا مخطئاً، ولكنك تناقض نفسك حينما تضيف إلى هذا الصنيع إهمال التزين بأفعالك وسلوكك وأخلاقك، وتغفل عن أُسس الأخلاق الجميلة!.
أيهما أكثر ضرراً؟ رداءة ثوبك أم رداءة تصرفك وسوء ذوقك في التعامل مع الآخرين؟!
أليست أخلاقك أبلغ في الدلالة على مدْحك أو قدْحك؟!
أليست تصرفاتك وطريقة تعاملك مع الناس تتعداك إلى سواك، بينما عدم جمال ثوبك إن كان فيه ضرر أو أذى فإنه ربما لا يتعداك إلى الآخرين؟! – على أنّ حُسْن المَظْهر مطلوبٌ، ولكنْ في حدِّ الاعتدال-.
فأيُّ الأمرين أحق منك بالعناية وبمحاسبة النفس عليه؟!.

ما أحوجنا إلى إعادة النظر وشدة المراقبة في ميزان اهتمامنا بأنفسنا، وفي معيار تقويمنا لأخلاقنا ومعرفتنا لمقدار نفوسنا!.
يقوا الإمام ابن حزم، رحمه الله تعالى:
طالبُ الآخرة ليفوز في الآخرة متشبهٌ بالملائكة.
وطالبُ الشرِّ متشبهٌ بالشياطين.
وطالبُ الصوت والغلبة متشبهٌ بالسباع.
وطالبُ اللذات متشبهٌ بالبهائم.
وطالبُ المال –من اجل المال- أسقطُ وأرذلُ من أن يكون له في شيء من الحيوان شَبَهٌ، ولكنه يشبه الغُدْرانَ التي في الكهوف في المواضع الوعرة، لا ينتفع بها شيء من الحيوان.
فالعاقل لا يغتبط بصفة يفوقه فيها سبع أو بهيمة أو جماد، وإنما يغتبطبتقدمه في الفضيلة التي ميزه الله تعالى بها عن السباع والبهائم والجمادات ولْيَعْلَمْ أن النمر أجرأ منه، وأن الأسد والذئب والفيل أشجع منه، ومن سُرَّ بقوة جسمه، فلْيَعْلْم أن البغل والثور والفيل أقوى منه جسماً، ومن سُرَّ بحَمْله الأثقالَ، فلْيَعْلَمْ أن الحمار أحملُ منه، ومن سُرَّ بسرعة عَدْوِهِ فلْيَعْلَمْ أن الكلب والأرنب أسرعُ عَدْواً منه، ومن سُرّ بحُسْن صوته، فلْيَعْلَمْ أن كثيراً من الطير أحسن صوتاً منه، وأن أصوات المزامير ألذُّ وأطربُ من صوته.
فأيُّ فخرٍ وأيُّ سرور فيما تكون فيه هذه البهائم متقدمة عليه؟!.لكن من قوي تمييزه، واتسع علمه، وحَسُنَ  عمله، فليغتبط بذلك، فإنه لا يتقدمه في هذه الوجوه إلا الملائكة وخيار الناس.

نخطئ كثيراً حينما يتّجه أحدنا إلى العناية بالطِّيبِ المصنوع ويتجاهل الطِّيبَ المطبوع: طهارة السريرة وحُسْن الخُلُقِ والسيرة، وننسى الفرقَ بين الطِّيب الذي يَذْهبُ مع الهواء وأدراج الرياح والطِّيبِ الذي يستقرُّ في النفوس والأرواح!! وكم هو الفرق بين طيبٍ يُمْكن أن يتطيب به خبيث النفسوالخلق، وطيب لا يتحلى به إلا مَنْ طابت نفسه وأخلاقه؟!.
نخطئ كثيراً حينما نهتم بملابسنا ومظاهرنا على حساب بواطننا وقلوبنا وأخلاقنا!!.
نخطئ كثيراً حينما نُعْنى بأجسامنا ونهمل قلوبنا ونفوسنا!!.
نخطئ كثيراً حينما نُعْنى بإصلاح ما بيننا وبين المخلوقين وننسى ما بيننا وبين الخالق سبحانه!!
نخطئ كثيراً حينما نتأدب مع المخلوقين وننسى الأدب مع الخالق سبحانه!!.
نخطئ كثيراً حينما نُصْلح دنيانا بتمزيق ديننا!!.
نخطئ كثيراً حينما نُصْلح دنيانا وننسى آخرتنا!!.
نخطئ كثيراً حينما يَعْمَدُ أحدنا إلى التأدب مع الأبعدين وينسى الأقربين!!.
نخطئ كثيراً حينما نهتم بأنفسنا وننسى الآخرين!!.
نخطئ كثيراً حينما لا نتنبّهُ إلى أننا نخطئ كثيراً!!.
نخطئ كثيراً حينما لا نشعر بأهمية محاسبة أنفسنا وتعديل أخطائنا!!.

أيها المعتني بتزيين ظاهره والغافل عن حقيقة باطنه!!
أيها الملمّع يديه ووجهه ماذا صنعت لقلبك؟!
أيها المنظف ثوبه هل نظفت طويّتك ودخيلة نفسك وطهرتها؟!
أيها الملمّع حذاءه والغافل عن نفسه وقلبه!! هلاّ تذكرت نفسك وقلبك!!
أيها المتطيب في الظاهر هل تطيبت في الباطن أيضاً حتى لا تكون ذا وجهين!!
وماذا يفيدك طِيب الظاهر مع فساد المَخْبَرِ؟!.
وماذا يفيدك حُسْن مظهرك مع فساد مَخْبَرِك؟!.
أيها المتجمّل للناس هلاّ تجمّلتَ لرب الناس!!.
أيها المزكي نفسه عند الناس هلاّ زكيتَ نفسك لله!!.
أيها المصلح أمر دنياه هلاّ أصلحت أمر آخرتك!!
أيها الباني له داراً مؤقتة هنا هلاّ بنيت لك داراً هناك مؤبَّدةً في جنات عدنٍ عند مليك مقتدر!!.
ما الذي يذكّرك دنياك ويُنْسيك آخرتك؟!

=========================

منقول بتصرف يسير: ابراهيم حجازي.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى