المطران الفدائي : قلب على العباد،ويد على الزناد!!

المطران الفدائي: قلب على العباد،ويد على الزناد!!
د.ماجد توهان الزبيدي
ثمة رجال ،كل منهم ،في حجم أمة!من أبرزهم مطران القدس الشريف الفدائي الراحل “هيلاريونكبوتشي” ابن حلب وبيروت والقدس!الذي كان يحتفظ بمناصب تؤهله للعيش كعيشة الملوك،لكنه أبى إلأ ان يبقى عربيا صحيحا ،لاقيمة لذاته من دون كرامة ذات شعبه وأمته من حوله،فإنضم للفدائيين مع “هزيمة الجيش الذي لايقهر” في حرب رمضان المجيدة عام 1973م ،واخذ يأوي اوائل الفدائيين ،وأسلحتهم في سيارته المشمولة بالحصانة،وفي زوايا ديره!!
وعندما كان الراحل الكبير الفريد يُسأل عن هويته،كان يُردد جوابا واحدا، من كلمة واحدة: عربي!!
كان الراحل الفقيد مثل غيره من البطاركة والخورة والمطارنة والشيوخ والأئمة،كل يعيش في صومعته،لا يخرج عن النص،مُقدما مصلحته الشخصية على مصلحة الرعية،إلى ان زاره ذات يوم في اوائل السبعينيات من القرن الماضي شقيق وشقيقته جاءا للقدس من الولايات المتحدة يتفقدان منزلهما المُصادر من سلطة الإحتلال الإسرائيلي وتقطنه عائلة يهودية مستوطنة غريبة عن فلسطين ،بناء على وصية والدهما المقدسي قبيل وفاته!
طلب الشقيقان العربيان المقدسيان المسيحيان من “ابونا”الراحل مرافقتهما في زيارة بيتهما في القدس ،لراحة نفس والدهما ،ورغبة منهما في تذكّر طفولتهما المشتركة في زواياه وفناءه!لكن “أبونا”تردد للحظات لعلمه ان أولئك الغزاة القُساة الحاقدين على تيه التاريخ والخارجين من قعره،لنيأذنوا بمثل هذه الزيارة ،لكنه إزاء إصرار الشقيقين رافقهما مما كان له الأثر الرئيس في تحوّل المطران من التصومع والعزلة الكهنوتية لحياة الفدائيين الملنحمين مع هموم وطنهم !
رفض محتلو البيت المقدسي الصهاينة الغزاة السماح لصاحبي البيت والمطران بالدخول ثم طردوا الوفد الضيف دون ان تشف دموع الشقيقين لهما بتلمس وقع خطواتهما الأولى في زوايا البيت وحديقته،أو تعقب ابتسامات والديهما قبل حلول الجراد في ديار القبلة الأولى التي تتناساها حكومات العرب في حاضر الأيام!!
وعندما تفاوض الفاتيكان مع حكومة الإحتلال بعد اربع سنوات من إعتقال المطران الفدائي بتهمة توصيل الأسلحة لرجال “فتح” وإيواء رجالها الزاحفين لديار القدس من كل حدب وصوب من حول فلسطين ،كان شرط العدو المزدوج ان لايعود الفدائي المطران لفلسطين ثانية وان يصعد للطائرة باللباس المدني وليس الكهنوتي،وإلا سيمضي مدة محكوميته إثنتا عشر سنة ،كان رد الفدائي الباسل :”إذا كان البابا يقبل أن اصعد باللباس المدني ،فانا أرفض ذلك”!! وصار له ما أراد ،لأن إرادته كانت ممتدة من حلب الى القدس ،وصلبة صلابة إرادة الحلبيين والمقادسة ،لاتنقاد لعملاء ولا لغزاة !!
في منفاه في روما كان المطران الفدائي لايهدأ عن الحركة ولا ينام ولا يجعل غيره ينام ،كان سفيرا صادقا لعدالة نضال الفلسطينيين البواسل ضد آخر الإحتلالات البغيضة على المعمورة ،ومنارة متوهجة غيّرت كثيرا في عيون وعقول مؤسسات غربية متماهية مع قتلة المسيح الفادي !
ولمّا كان الرجل الراحل في حجم أمة بحق وحقيق ،وقامة عابرة للأديان والأعراق والمذاهب والطوائف ،إنضم لقوافل سفن فك الحصار الظالم للغزاة الصهاينة على المدنيين من ابناء قطاع غزة ،بعد ان افزعه الصمت العربي الرسمي تجاه جرائم حروب الإبادة الجماعية التي تمارسها حكومات العدو الصهيوني المتعاقبة على شعبنا العربي الباسل في قطاع غزة ،وقاد سفينة “الأخوة”اللبنانية التي انطلقت من ميناء طرابلس على متنها 650 شخصية عربية وعالمية !
وهنا يذكر المناضل القومي المفكر هاني سليمان المرافق للمطران على متن السفينة أن بحرية العدو إعترضتهم حال خروجهم من المياه الإقليمية اللبنانية ،مهددة إن لم تعود السفينة للبنان سيتم إغراقها في قاع البحر بعد قصفها ،أن الراحل الكبير قال له :ياهاني قل لهم اننا رددنا جميعا الشهادتين ،واننا لن نعود ابدا!!
ولأنه عروبي حتى النخاع ،كان الراحل الكبير يشارك المبحرين على متن السفينة صلاة الفجر،ويهلل ويُكبر كلما هلّلوا وكبرّوا،وكان دائم الترديد:”انا ابو الفلسطينيين لن أنساهم”،مثلما هم لم ولن ينسوه،وقد خرجوا لإسبوع متواصل في مظاهرات جماهيرية عام 1974 ضد اعتقاله بعدما تيقنوا انه كان فدائيا حقيقيا لنصرتهم والدفاع عن مقدساتهم التي هي مقدساته والعكس صحيح!
رحم الله فقيد امتنا العربية الماجدة ،فقد كان يحمل في يمناه كتابه الثوري “الإنجيل”وفي اليسرى رشاشه ،وإصبعه دوما ضاغط الزناد!

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى