سنغافورة . . مخلب نمر / محمد نغوي

سنغافورة . . مخلب نمر
في جنوب شرق آسيا، وفي أقصى الطرف الجنوبي لشبه جزيرة الملايو، وبين دولتان كبيرتان هما إندونيسيا بمساحتها البالغة 1.9 مليون كم2 وعدد سكانها الذي يزيد من 250 مليون نسمة،وماليزيا بمساحتها البالغة 329 ألف كم2 وعدد سكانها الذي يزيد عن 30 مليون نسمة، تقع جزيرة سنغافورةالصغيرة بمساحتها البالغة 697 كيلومتر مربع، أي أصغر من مساحةأصغر دولة عربية وهي مملكة البحرين،سنغافورةالدولة المدينة التي يقطنها حوالي 5.7 مليون نسمة موزعين على ثلاث قوميات رئيسية هي الصينية (74.2%) والملاوية (13.3%) والهندية (9.2%) إضافة إلى قوميات أخرى تشكل نسبة (3.3%) من عدد السكان، ويدين سكانها بعدة ديانات منها البوذية والاسلامية والطاوية والهندوسية والمسيحية، ويتحدثون العديد من اللغات من بينها أربع لغات رسمية هي الانجليزية والمندرينية والملاوية والتاميلية، بمعنى آخر فإن هذه الدولة المتناهية الصغر في مساحتها، والمكتظة بعدد سكانها الذي يتشكل من خليط من القوميات والديانات، والتي تنعدم فيها أية مصادر طبيعية ذات قيمة مثل النفط والغاز والمعادن الأخرى، هذه الدولة من وجهة نظر جيوسياسية هي دولة يجب أن تكون تعاني من الانقسامات المجتمعية والصراعات الدينية والأثنية والإنهيار الاقتصادي والمديوينة العالية والاعتماد التام على المساعدات والهبات الخارجية، فهل سنغافورة هي كذلك؟
إن من يطلع على واقع سنغافورة الحالي لا يمكنه سوى أن ينبهر بإنجازات هذه الدولة الصغيرة، التي تمكنت من صهر كل هذا التنوع المجتمعي لسكانها لتكوين شعب متحد ومنسجم ومنتمي لدولته، ويعتز ويفتخر بها ويسعى نحو تقدمها وازدهارها، إن دولة سنغافورة هي التجسيد الحي والواقع الملموس للجملة التي يرددها المسؤولون في بلادنا العربية، ولم يستطيعوا تطبيقها وهي (الإنسان هو الثروة الحقيقية)، فمن خلال اتباع سنغافورة لنظام تعليمي يعتبر من ضمن الأفضل على مستوى العالم، استطاعت أن توجد شعباً يمتاز بأنه من أكثر شعوب العالم تعلماً وتطوراً، وأكثرهم تفهماً وتعايشاً للتنوع الثقافي والإثني والديني، فالزائر لسنغافورة يلمس مدى التنظيم والدقة واحترام القوانين في كافة مجالات الحياة، وصرامة وجدية تطبيق تلك القوانين سواء من قبل الدولة أو المواطنين أنفسهم.
أما من الناحية الاقتصادية، فإن سنغافورة هي أصغر دولة فيما أصطلح على تسميتهم بالنمور الأسيوية، وهي كوريا الجنوبية وتايوان وهونغ كونغ وسنغافورة، لا بل أن لها الريادة على تلك الدول في بعض القطاعات، وبناءً على بيانات سنة 2015، فإن سنغافورة تتفوق على دول تفوقها بمئات المرات من حيث المساحة وعدد السكان والموارد الطبيعية، حيث يمكننا أن نقرأ الآتي:
– الناتج القومي لسنغافورة يزيد عن الناتج القومي لدول نفطية غنية مثل النرويج أوقطر أوالكويت.
– دخل الفرد السنغافوري السنوي يعتبر رابع أعلى دخل فرد في العالم ويفوق دخل الفرد السويسري أو الاسترالي.
– نسبة البطالة في سنغافورة من ضمن أقل النسب في العالم وهي على سبيل المثال أقل من نسبتها في الإمارات أو ماليزيا.
– صادرات سنغافورة السنوية تتفوق على صادرات دولة عظمى مثل روسيا، أو كبرى مثل الهند، أو نفطية مثل السعودية.
– احتياط سنغافورة من الذهب والعملات الاجنبية يفوق احتياط دول مثل ألمانيا أو تركيا.
– تمتلك سنغافورة صناديق استثمار سيادية تعتبر سادس أكبر الصناديق في العالم، وحجم استثماراتها يفوق الصناديق القطرية أو الروسية أو الأمريكية.
إننا بحاجة في وطننا الحبيب الأردن إلى أن نستفيد من التجربة السنغافورية، فنحن أغنى منها بكثير بمواردنا الطبيعية من فوسفات وإسمنت وبوتاس وصخر زيتي، ومع ذلك لم نحقق التطور والتنمية المنشودة، وفي الوقت الذي نعاني فيه بالأردن من شح المياه وموارد الطاقة، ونعتبرهما عقبة أمام نمونا وتطورنا، فإن سنغافورة تستورد جزءً من مياهها من جيرانها ومواردها من الطاقة معدومة، وفي حين تعاني عاصمتنا الغالية عمّان من سوء التخطيط الذي انعكس في العجز عن إيجاد حلول لمشاكل المواصلات فيها على سبيل المثال، فإن سنغافورة الأكثر كثافة سكانية والأقل مساحة تمتلك واحدة من أحدث وأكفأ نظم المواصلات في العالم، ولعل سر تقدم وتطور سنغافورة وتميزها، يكمن في تبنيها وتطبيقها بحزم للمعاني الخمس التي ترمز إليها النجوم الخمسة في علمها وهي: السلام، التقدم، العدالة، المساواةوالمثل العليا للديمقراطية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى