.عمّان-الشام

[review]أمسيات الصيف القديمة مثل أغاني الحب القديمة، كلّما مرّت نسائمها في البال هزت نوافذ الذكريات..وأصدرت حنيناً يشبه الأنين..كم كانت ناعمة ورقيقة تلك الليالي مثل ثوب منسوج من حرير العتمة، مثل تنفس بيوت الطين، مثل دالية تعرّج ساقها بفيء عمرها..في أمسيات الصيف القديمة كانت النجوم أقرب، والسماء لم تزل فتية في مقتبل الدهر، والسهرات حديثة العهد بالحب..في عريشتنا كان يتمدّد أبي بعيد الإفطار مستسلماً للنعاس بعد ان يسري الارتواء تحت جلده الحنطي الداكن ، يأمرنا نحن الصغار أن نخرج التلفزيون التوشيبا الأبيض والأسود من الغرفة الجوّانية الى العريشة طلباً للبراد ..هذه العملية كانت تتطلّب منّا وقتاً طويلاً لبدء عملية البث..كان تلفزيون التوشيبا اقرب الى الثدّيات منه للكهربائيات.. فله مثلاً أربعة أرجل، وله قرنين الانتين ، يرافقه محوّل كهربائي ثقيل في حلّه وترحاله يشبه ضرع الماعز..الرِّجل الخلفية من جهة اليمين كانت مكسورة، مما كان يتطلب منّا لإيقاف عملية الاهتزاز وتشويش الصورة، أن نضع تحت هذه الرجل المكسورة حفّاية بلاستيك/فردة يسار/ نمرة 44 تحديداً..أية حفّاية أخرى كانت تحرمنا من سهرة تلك الليلة، فلا شيء يقوم بعمل هذه الفردة سواها ، لذا كنا نحرص دائماً على اقتناء الحفايات 44 حتى لو لم يلبسها أحد، وهذه إحدى عجائب ذلك التوشيبا القديم …تلفزيون بالأبيض والأسود ذو هكيل خشبي له لون الفورمايكا البنية المعتّقة، برجل مكسورة، وبمحوّل مرافق يزن 20كغم يقوم بتنظيم كمية الكهرباء الداخلة الى هذا الجهاز الميزاجي.. كان كفيلاً أن يجمعنا جميعاً، ويمتعنا جميعاً بحجم النمش الذي يظهر على الصورة..عندما نشاهد غرة ابي البيضاء وقد مشطتها أصابع النسمات الصيفية وأن عينيه اغلقتا على سكون، كنا نتسلل ونغيّر المحطّة على (الشام)..للقنوات مفتاح يشبه مفتاح المروحة السقفية، دائري وعليه أرقام واضحة ويحدث طقّة عالية عندما يحاول أي منّا تغيير القناة ..أما مفتاح الصوت والتعتيم والسطوع فهو دائري يشبه الرصاصة ويتحرّك برم .. كنّا نسترق مشاهدة غوّار الطوشه في حمام الهنا على ( الشام)..قبل أن يصحو أبي ويطلب مننا اعادة القناة الى عمّان حيث أخبار الثامنة، أحياناً كنا نكتشف أن الوالد رحمه الله متابع لكل أحداث المسلسل وهو مغمض عينيه، فقد كان يبتسم لجملة هنا أو قفشة هناك من قفشات دريد لحام ، فتفضحه بسمته..لم يكن لدينا خيار سوى هاتين القناتين (عمان- الشام)..وشبكة عالية مقطعة الأسلاك تجود علينا من باب الصدفة بصورة طبع أحياناً و بوشيش وتخطيط وتقليب أحياناً أخرى..** صدقوني إن صوت قبقاب غوار في حمام الهنا وفي القاووش لم يزل عندي أجمل من الف محطة فضائية..ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى