الصراع بين الكيان الموازي والدولة العميقة في الأردن

الصراع بين الكيان الموازي والدولة العميقة في الأردن

د. نبيل العتوم

هل يوجد في الأردن كيان موازي في مقابل دولة عميقة إلى جانب الحكومة السياسية أو فوقها؟ هل هو كيان عادي أم يعمل في مواجهة الدولة العميقة وأدواتها ؟مما يتكون الكيان الموازي ؟ وكيف يعمل هذا الكيان ؟ وهل هناك أجهزة أخرى تعمل لصالح هذا الكيان ؟ وما هو موقف مؤسسات الدولة منه؟ .
الكيان الموازي في مقابل الدولة العميقة..هكذا يبدو المشهد اليوم في الأردن ، أو هكذا يراد له أن يكون، الدولة العميقة مصطلح نحت في بُنية الدولة الأردنية للحفاظ عليها والتمسك بالأسس والمرتكزات التي قامت عليها الدولة منذ تأسيسها ، يكافح وينافح ضد تفكيك الاقتصاد وتفكيك البنى الاجتماعية والثقافية والسياسية ، ومواجهة المدنية والتجنيس وتضييع هوية الأردن ، وهي الضمانات لاستمرار الدولة وديمومة بقائها ، ما نعيشه اليوم هو نموذج صارخ لهذه الإزدواجية في مظاهر الدولة، وإذا كان من إنجاز يُحسب للدولة العميقة في الأردن ، هو محاولة التكيف لبناء الدولة الأردنية وسط هذه الضغوط والتحديات داخلياً وخارجياً والتي تنوء عن حملها الجبال .
المحتجون على الدوار الرابع والأغلبية الساخطة في الأردن وظفوا كثيرا مصطلح “الدولة العميقة” في خطابهم التعبوي، الحقيقية التي يجب استحضارها في سياق الحديث عن الدولة العميقة، تتطلب تحليلاً في العمق ، وتستوجب وضع هذه المقاطعة في جميع سياقاتها الممكنة، و استخلاص ما يمكن من خلاصات، هذا الأمر يستدعي جملة من الاستنتاجات المهمة والمحورية بعيداً عن الرياء والنفاق والتسحيج الذي أهلك الحرث والنسل ومقدرات الدولة بلا حسيب أو رقيب ، فبتنا أمام مشهد سياسي عريض عنوانه الأبرز الهرولة نحو الهاوية بفضل” الكيان الموازي ” وفق مجموعة من المسارات :
أولاً : تهميش دور المؤسسة الأمنية وهي أحد أذرع الدولة العميقة بشكل خطير عن المشهد بتفاصيله العامة ، حيث لا يمكن التعامل مع هذا الأمر على أنه مسألة سهلة ، وقد تعصف باستقرار الأردن وأمنه ، في الوقت الذي لا تستطيع معه أقوى الدول وأعتاها على وجه البسيطة التضحية بدور الأجهزة الأمنية في رسم القرار وتقديم البدائل ، بعيداً عن التعقيدات والمواقف والانطباعات الشخصية لصناع القرار ،حيث بلغت درجة” الاستهتار ” لدرجة بتنا نرى وزراء ذوي أسبقيات وذو خلفيات جرمية وسياسية وأخلاقية مشبوهة يتصدرون المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنخبوي ، حيث وبات المشهد السياسي الأردني بشكل لا يصدق من الدراما الهزلية ، وهذا فتح باب التساؤلات على مصراعيه ،أين دور الأجهزة الأمنية في كل ما يجري ، و وفتح الباب على مصراعيه حول حق المواطن الذي لوعته الظروف والتحديات في الحصول على المعلومة الصحيحة حول حقيقية ما يجري خلف الكواليس ، إذ لا يمكن الادعاء أننا دولة ديمقراطية وأن السلطة للشعب ،بمعزل عن موضوع المسائلة والمحاسبة ، فالمساءلة لا تتمثل فقط في صناديق الاقتراع ، والتي أوصلت مجلس نواب لا يمتلك أدنى أبجديات العمل السياسي للدفاع عن مؤسسات الدولة العميقة أم غير العميقة في الوقت الذي تحتفل فيه المملكة الأردنية بمئويتها ، مما خلق انطباعا عاماً بات كالنار في الهشيم ، أين دور مؤسستنا الأمنية كأحد مؤسسات الدولة العميقة ، والتي تعتبر سياج الوطن وحاميه ، ولماذا يتم استهدافها بهذا الشكل ، ومن له مصلحة بذلك ، وهي التي كانت الضامن بعد الله للحفاظ على الأردن وشعبه ومقدراته عبر تاريخ الدولة الطويل ، مما أفقد الناس صوابها ، وطرح الكثير من التساؤلات المصيرية حول احتمالية وجود كيان موازي أخذ في التشكل أقوى فعلياً من الدولة العميقة ومن مؤسساتها ، وكان بمثابة الفاعل السياسي في كل ما يجري من مصائب وويلات ، ومن ضمنها محاولة فصل الأجهزة الأمنية عن العقل السياسي للدولة الأردنية ، ما أوجد حالة من التخبط الداخلي غير المسبوق الذي لم يستطع أحد تقديم اجابة شافية ووافية حول ما يجري .
ثانياً : على ضوء ما جرى ويجري ما حقيقية وجود الكيان الموازي الذي تشكل في الأردن ، وما هي أدواته وحدود الدور المناط به ، وأهدافه ، خاصة أن التُهم تكال جزافاً بمناسبة ودون مناسبة للدولة العميقة وتحميل “الجهاز الأمني” في الأردن تحديداً مسؤولية ما يجري ، و من يتحمل تبعات اختيار النخب التي تقود السياسة والاقتصاد والإعلام والاجتماع . باختصار “الكيان الموزاي “الذي تشكل في الأردن ، قد تجاوز منطق المؤسسات، وبات يعمل بأدوات “غير دستورية”، وغير مقيدة بنص أو مؤسسات ، ولا يحكمه منطق ، بل من خلال آليات وأدوات لامرئية من ومن خلال مخطط مدروس هدفه باختصار تفكيك الأردن وتحطيم نسيجه السياسي والاجتماعي و العسكري والأمني ، و تم التوسل بنخب تم زرعها في مؤسسات الدولة بعناية ودقة ، تصول وتجول وتحسم في التشريعات الإستراتيجية والسياسات العامة متوسطة وبعيدة الأمد ، وهي بالمناسبة غير خاضعة في ممارستها هذه للمراقبة المؤسساتية أو المدنية ، ولا تستغربوا وجود مواقع برأسين الأول ؛حكومي في العلن ، والثاني يتبع للكيان الموازي وهو الشخص الفاعل في الظل .
ثالثاً : إستراتيجية الكيان الموازي “الوافد السياسي الطارئ على المشهد السياسي الأردني ” وهو قائم على زرع وتكريس التناقضات في جميع وحدات ومستويات الحكومة والبرلمان ومؤسسات الدولة الأخرى ، والتشكيك بمؤسسات الدولة العميقة والنخب التي تقودها ، والارتكاز على موضوع الإدماج والإقصاء للنخب والفاعلين السياسيين ، ومحاولة تغليب عودة فكرة الوصاية إلى المشهد السياسي الأردني وفق رؤية شيطانية ، و التي باتت تسير في اتجاه تكريس منطق الهيمنة السياسية والاقتصادية الطامحة إلى تفكيك الدولة تحت عناوين براقة مثل الترويج لمفهوم الدولة المدنية والتمكين الاجتماعي والسياسي والثقافي و اعادة إنتاج المعادلة الديموغرافية وفق هندسة التجنيس ، والخطط و المبادرات التي ما أنزل الله بها من سلطان …. مما يُهدّد بإعادة إنتاج المشهد وفق إستراتيجية تعقيد عملية الصراع والنزاع ، و تعزيز الصراع والاشتباك بكافة صوره وأشكاله عبر الجغرافيا الأردنية، وإشغال الناس عما يتم حياكته فعلاً ، والجلوس من فوق كرسي عاجي لمراقبة المشهد عن بُعد ، وهو بات ما نراه اليوم ، إلى جانب استعمال آلياتها للهيمنة ، و تصبح آنذاك عامل تمرد وليس عامل استقرار واستمرارية، النقطة الفاصلة هنا بين السلب والإيجاب في دور “الكيان الموازي “ليس هو تحقيق المصالح الكبرى للدولة الأردنية ، بل تصفية مسار الدولة الذي يفرضه منطق التاريخ ومنطق التطور ومنطق التوازنات الذي يفرضه ميزان القوى السياسي من خلال محاولة تصفية مؤسسات الدولة العميقة ، والتي كان يجب عليها هي بالمناسبة أيضاً التعديل من منهجها وسلوكها وبرنامجها وأدواتها وخططها وصورتها ، وفي إعادة إنتاج النخب المؤهلة علمياً وإدارياً ومعرفياً لقيادة المرحلة ، مما سهل على الكيان الموازي حشرها في الزاوية .

المصيبة أن الكيان الموازي بات له أنياب ومخالب ، حيث كتب له النجاح في التحول من الهيمنة السياسية ، إلى الإقطاع الاقتصادي والمالي بعد أن شكل نخبة اقتصادية تعمل وفق أجندة وضعتها لهم جهات مشبوهة ، وبات يمتد تأثيره لنسج تحالفات مع النواب من أجل التحكم في دورهم التشريعي (وضع القوانين وفق مصالحها) و لتعزيز موقفهم الرقابي على السلطة التنفيذية التي باتت أحد أدوات الكيان الموازي ، كما يصل هذا النفوذ إلى الحكومات إما من خلال الوجود المباشر في المواقع السيادية في الاقتصاد والمالية والتخطيط والطاقة …– التي باتت ضعيفة – من أجل تمرير مشاريعها ومخططاتها في البرامج الحكومية ، هذا عدا عن محاولاته بناء قاعدة إعلامية تعتمد على جيل من المرتزقة الطامحين للإثراء ،وتحصيل المكاسب ، والاستحواذ على المناصب العامة .
الخطير في الأمر كذلك أن الكيان الموازي بات يسعى لامتلاك القوة الضاربة لتصفية أدوات الدولة العميقة وأجهزتها ومؤسساتها ، أو محاولة ترويضها والإجهاز على المعارضين فيها لسياساتهم وتشويه صورتهم من أجل التمكين لمشروعهم وترسيخه، و التضييق عليها ، وعلى النخب التي تقودها ، وتخفيض الدعم السياسي ,والمعنوي والمالي تحت عناوين إعادة هيكلة بعض مؤسسات الدولة العميقة ، وإقصاء النخب الوطنية منها تمهيداً لإضعافها والسيطرة عليها ، ومحاولة ضرب مصداقيتها والنيل من دورها من خلال تحميلها مسئولية وتبعات ما يجري ، خاصة على الصعيد الاقتصادي ، الاستمرار في ذلك معناه المزيد من إضعاف الدولة الأردنية تمهيداً للإطاحة بها .
لكن الكيان الموازي تناسى أنه غير قادر على صناعات الولاءات والأتباع من مختلف الشرائح والفئات على امتداد الجغرافيا الأردنية لاستعمالهم عند الضرورة لمقارعة مؤسسات الدولة العميقة ، لأن الكيان الموازي ساقط شعبياً باختصار وخياراته وسياساته مرفوضة .
رابعاً : المسار الذي يسير فيه الأردن باندفاع غير مسبوق وفق رؤية الكيان الموازي بات معه يُناقض مصالح الدولة والشعب الأردني، لأن الجهات النافذة التي تقود المرحلة من أبطال الديجتال والصلعان وذوي الياقات المزركشة من خريجي هارفرد وكامبردج اللذين لا يتقنون سوى اللغة الانجليزية والعرط والاستعراض ، والتي تحاول إدارة الأردن وفق عقلية الشركات المساهمة المحدودة ، هم باختصار وصوليون وانتهازيون وضباع لاهثة لا جذور لها لا في التاريخ ولا في الجغرافيا ، و أفواه مأجورة يسارعون الزمن لقضم أقصى ما يمكن وفي أقصر وقت من جثة الطريدة/ الوطن المرتبطة بالمصالح المالية والاقتصادية الضخمة، وليس من الضروري أن تكون هي صاحبة هذه المصالح وحدها فقط ، بل قد تكون معبرة عنها ، ولكن هل يتحول “الكيان الموازي” إلى دولة موازية مع الوقت إذا استمرت في تغولها ولما راكمته من نفوذ في أوساط مختلفة داخل الأردن وخارجه ، وغدت ترتبط بها مصلحيًا .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى