إيران بعد هجوم “الأحواز ” وكلفة التحول إلى فنزويلا جديدة في المنطقة

إيران بعد هجوم “الأحواز ” وكلفة التحول إلى فنزويلا جديدة في المنطقة
د. نبيل العتوم

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية

مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية

بحسب الأنباء المتواترة والقادمة من إيران فإن هجوم الأحواز قد أحدث حالة من الارتباك الإيراني في دقته وتوقيته ودرجة تأثيره، وهذا الحدث بات يتزامن مع الوضع الاقتصادي والمالي للبلاد، الذي دخل فعليا حالة الانهيار على مقياس متعدد الدرجات؛ فوتيرة التسارع في ارتفاع أسعار السلع التي تعكس ارتفاع سعر الدولار مقابل الثومان الإيراني أصبحت لا تعد بالأيام بل بالساعات. فخلال 48 ساعة فقط أرتفع سعر الدولار أو انهارت قيمة الثومان بما يساوي 10 % ، فهذا الانهيار في قيمة العملة عائد إلى مجموعة من العوامل منها تأثير الوجبة الأولى من العقوبات الأميركية التي بدأت تؤثر على الوضع الاقتصادي الداخلي الإيراني حتى قبل فرضها، هذا عدا عن سوء إدارة الاقتصاد الإيراني بفعل المشكلات الاقتصادية المستعصية عبر سنوات عديدة، فهي ليست وليدة الليلة حتمًا، كذلك ما يقوم به البنك المركزي الإيراني من طباعة أوراق العملة بشكل كبير بدون أي غطاء مالي اعتمادي حقيقي مقابل لها بالدولار في البنك المركزي. وبالتالي هناك فائض في السيولة وارتفاع في التضخم وصل إلى مرحلة غير مسبوقة، وهذا التضخم هو من أعلى المستويات في العالم، وبات يشبه ما يجري تماماً في دولة فنزويلا، والتي يعيش مواطنيها منذ عامين حالة انهيار اقتصادي كامل أدى خلو البلاد من السلع الرئيسة وانهيار كامل للعملة والاقتصاد، وحدوث شبه مجاعة هناك على الرغم من كون الدولة الفنزويلية تعد من أغنى دول أمريكا اللاتينية، ومن أكبر الدول المصدرة للبترول في العالم.

مقالات ذات صلة

إن حكومة روحاني التي كانت تتباهى بالإنجازات الاقتصادية، وقدرتها على تحقيق نموّ اقتصادي، هي في الواقع وصلت إلى نهاية الدائرة المغلقة. مما اضطر المرشد إلى التدخل، ومحاولة التسويق لفكرتين أساسيتين:

الأولى: أن ما تعاني منه إيران، لا يمكن اعتباره نتيجة العقوبات الدولية، بل الجزء الأكبر منه هو بسبب فشل السياسات الحكومية.

الثانية: تحميل ما وصل إليه الوضع الاقتصادي لحكومة الرئيس روحاني، والتي قامت بإتباع إجراءات ارتجالية غير مدروسة أسهمت في انهيار الثومان، ما جعل الإيرانيين يتهافتون إلى استبداله بالعملات الأجنبية والذهب.

أما الآن وبعد 30 عامًا من الثورة، بات النظام الإيراني في حالة شيخوخة سياسية واقتصادية كاملة ابتداء من الولي الفقيه، الذي بات عاجزاً عن مواجهة التحديات، بل لا يمتلك الشجاعة حتى يعلن للشعب الإيراني مسؤوليته شبه الكاملة عما آلت إليه الأوضاع، بحيث باتت شرعية النظام وشعبيته على المحكّ، مما يعني اكتمال دورة النظام الثوري، ووصوله إلى نهاية المسار.

لكننا لا نريد أن نظلم فنزويلا ورئيسها، بالنظر إلى تجربتها التي كان يحكمها رجل ديكتاتور، لكنه ذو شعبية جماهيرية عالية، لأنه كان أولاً وأخراً من طبقة العمال، ومن عامة الشعب، وهو الرئيس الراحل تشافي، ولكن سياسات شافيز والذي كان معاديا لأمريكا و للغرب قد حولته هو شخصيا من زعيم يحتفي به الجماهير إلى زعيم يلعنه الشعب، بفعل السياسات الارتجالية، وهو ما يحدث تماماً في إيران فالقائد “خميني” في البداية كان رمزا للثورة الاسلامية العالمية، وحاول إبراز نفسه كأيقونة لمقاومة الاستكبار الأمريكي والاسرائيلي وتمكن من خوض حرب ضد العراق لتدمير جدار “برلين” العربي للوصول إلى القدس، وكل هذه المهازل فضلا عن تطهير الدولة الإيرانية من المعارضين وبشكل دموي غير مسبوق. ثم نُصّب ” خامنئي “، وسار على نفس النهج الديكتاتوري حيث نصّب نفسه “مرشداً وقائداً ” في ظروف شابها كثير من اللغط حول أهليته السياسية والدينية، فقمع معارضيه ” السياسيين والدينيين” بقسوة مما أدى إلى تحوله إلى دكتاتور مكروه وسط الكثيرين من الإيرانيين، بعد أن تبنى سياسات خارجية هدفها الهيمنة والنفوذ، وتوسيع المجال الحيوي لإيران، انسجاما مع فكرة بناء دولة إمبراطورية إقليمية عظمى، فبدد أموال الإيرانيين وثرواتهم على مغامراته الدموية غير المحسوبة.

فنموذج فنزويلا ينذر بخطر كبير قادم وذلك لتشابهه مع نموذج إيران في الفترة القادمة. فقد خرجت خلال العام الماضي والحالي في إيران مظاهرات عارمة مطالبة بتغيير النهج والسلوك، ورافعة شعارات ” الموت لخامنئي ” والموت ” لروحاني “، في الوقت الذي وصلت فيه نسب التضخم إلى 266% هذا الشهر، وأصبح الإيرانيون يتمنون الرحيل عن بلادهم أو الموت.

والآن بدأت صادرات البترول الإيراني بالانخفاض التدريجي، “وفتحة العداد ” بدأت من خلال تقليص بعض الدول صادراتها لتصل إلى مستوى خفض يصل إلى 350 ألف برميل يومياً، وهناك وجبه أميركية من العقوبات سوف تبدأ في 3 نوفمبر قبل نهاية هذا العام، فضلا عن انتشار الفساد في الدولة الإيرانية ما جعل الرئيسين السابقين “خاتمي” و”نجاد” يحذران من انهيار النظام الإيراني في أية لحظة.

فإيران تدخل في نفق مشابه فقد تمت مطالبة روحاني بالتنحي من جانب القوى المتشددة، التي وجّهت له تحذيرات شديدة اللهجة، وغير مسبوقة في الحياة السياسية الإيرانية، لكنه يرفض ذلك.

وفي المقابل فإن الاقتصاد في مرحلة انهيار حر، وحتمًا لن يلقى أي دعم دولي ينقذه من الانهيار. والمرشد وروحاني متمسكان بالحكم، رغم مطالبة خامنئي بالتنحي أيضاً، ورغم أن الاحتجاجات الشعبية لم تصل بعد إلى درجاتها القصوى، إلا أن هناك مؤشرات كثيرة تؤكد بأن شتاء إيران سيكون قاسياً هذه المرة، وبخاصة مع بدء انتقال التعامل مع الدولة الإيرانية من التظاهر والانتقال إلى العمليات العسكرية النوعية، وهذا ما حصل في حادث المنصة في إقليم ” الأحواز ” ، في عملية نوعية وفريدة تؤكد على الخرق الأمني غير المسبوق لمنظومة النظام الإيراني، ما أدى إلى سقوط أكثر من 70 شخصا بين قتيل وجريح جلهم من الحرس الثوري المسؤول عن مآسي الإيرانيين وقمعهم داخلياً، فهو ذراع الولي الفقيه يقوم من خلاله بمغامراته الخارجية الدموية، مما يشي بأن التصعيد سيكون هو سيد الموقف في الفترة القادمة في حال استمرار وتزايدت وتيرة الاحتجاجات، فقد تيقن الإيرانيون من أن الأساليب السلمية لم تعد تجدي في التعامل مع النظام، وإيصال مطالبهم، فانتقلت الأقليات والشعوب المهشمة إلى صناديق الذخيرة للتعبير عن مطالبها، وهو ما حدث في الأحواز مؤخراً بعد حالة الظلم والقمع والتهميش والاستهداف، ومن شأن العمليات المسلحة أن تسرع في عملية الإطاحة بالنظام ، وبصورة لم يعهدها الإيرانيون في انتفاضات سابقة، لقد تم إسقاط الشاه خلال أشهر معدودة، لكن هذه المرة سيسهم الانهيار الاقتصادي، إلى جانب زيادة وتيرة الاحتجاجات في هذا الانهيار، على الرغم من أن البعض قد يرى أن مثل هذه العمليات قد تؤثر سلباً على الحراك السلمي في إيران، لكن ماذا عن الانتفاضة الخضراء في العام 2009 التي مارس النظام ضدّها أعتى أنواع البطش لإخضاعها ، وهو ما حصل.

من المؤكد أن النظام الإيراني سيحاول من خلال وجود روحاني في نيويورك توظيف صورة ما حدث في الأحواز لصالح تلميع صورته الخارجية، بأنه طهران هي دولة ضحية الإرهاب وليست راعية له، أما داخليا فسوف تستغل ما حصل لممارسة المزيد من القمع بحق الشعوب والأقليات المضطهدة، والتي باتت تعاني الأمرين، وهذا لا ينفي أن الفرس يعانون مثل ما يعاني الآخرين.

ولإنقاذ نفسها بدأت طهران في التركيز على الدور الأوروبي للخروج من أزمتها المعقدة، وبدأت وسائل الإعلام الإيراني تركز على ضرورة التوسل بدول الاتحاد الأوروبي، مؤكدة أن وزراء خارجية كل من بريطانيا وروسيا والصين وفرنسا وألمانيا سيجتمعون مع نظيرهم الإيراني لاستعراض سبل الحفاظ على الاتفاق النووي بعد الانسحاب الأمريكي، والوسائل الممكنة مساعدة طهران.

وبالنظر إلى أن إيران قد هددت بالانسحاب من الاتفاق النووي إذا لم تتحقق مصالحها، فما الذي يمكن أن تفعله أوروبا حيال ذلك؟ ترى إيران أن هناك ثلاثة مطالب أساسية فشلت أوروبا في تحقيقها لإيران مما يزيد من عمق المشكلة التي تعاني منها إيران : أحدها من خلال الاستثمارات، و المحافظة على استمرارية الاستثمار المباشر من قبل الشركات الأوروبية، وقد توصل الاتحاد الأوروبي إلى أن قانون المنع الذي يحظر العقوبات والذي يعود إلى التسعينيات قد اختص بحماية الشركات الأوروبية من العقوبات الأمريكية ضد كوبا، ثم حدثوا هذا القانون ليشجع هذه الشركات الأوروبية العاملة في إيران على البقاء، ولكن هذا لم يحدث فعلى الأقل كان الخروج الأكثر شهرة رحيل شركة “توتال”، التي كانت تستثمر مليارات الدولارات في مشروع حقل جنوب فارس، والمحور الثاني الذي تريده إيران هو إنشاء نظام مالي مستقل من الولايات المتحدة أو نظام “سويفت” الأوروبي، الذي يمكنه الحفاظ على تبادلاتها المالية مع إيران، بل وحتى مساعدة الدول الأخرى بما فيها الدول الآسيوية التي يمكنها على سبيل المثال إيصال أموال النفط إلى إيران، لكن هذا لم يحدث، فمقترحات وزير الخارجية الألماني “هايك وماس”، حيث لم يذهب بعيدا بما فيه الكفاية. أما المحور الثالث: فهو استمرار شراء النفط من إيران، حيث لم يستطع الاتحاد الأوروبي الحفاظ على مصالحه ومصالح إيران أيضا، فمنذ بداية عام 2018 انخفضت صادرات إيران من النفط إلى أوروبا بنحو 40-35٪، ووصلت إلى 400،000 برميلا، بينما تضاعفت صادرات المملكة العربية السعودية النفطية إلى الضعف، وحتى صادرات النفط العراقي ارتفعت بنسبة 30 ٪، لذلك من خلال هذه المحاور الثلاث لم تكن أوروبا قادرة على القيام بما يجب، وربما القيام بما هو ضروري للمصالح الإيرانية.

فمن المؤكد أن أوروبا لم تستطع تحقيق المطالب الإيرانية السابقة؛ وأعتقد أن أوروبا حتى لو أرادت فعل ذلك، فإنها لا تملك القدرة المالية والسياسية لإنقاذ الاتفاق النووي، وخاصة أن الشاغل الرئيسي لأوروبا هو إنقاذ الاتفاق النووي وليس المصالح الاقتصادية، وفي الحقيقة لا توجد مصالح اقتصادية كبيرة لإيران، إن قلق أوروبا من أنه إذا لم يتم توفير مصالح إيران، فإن إيران ستنسحب من الاتفاق النووي، ثم تستأنف أنشطتها النووية وتهاجم إسرائيل، وتخلق نزاعا عسكريا، ثم ستدعم الولايات المتحدة أيضا إسرائيل في هذه الحرب، إذًا فقلقها متعلق بالناحية الأمنية فقط ، و ستنجر الأمور إلى الحرب، حيث ستنشأ حرب شاملة، وفي النهاية ستكون موجة هجرة مثل سوريا في 2015 و 2016 من إيران إلى أوروبا، وما يقلق المسؤولين الأوروبيين، فموجة الهجرة هذه قد تحدث نتيجة لاندلاع حرب في المستقبل، الأوروبيون هم الآن يتفاعلون بشكل أكثر حدة مع تهديدات إيران بالانسحاب، وقد حذر الاتحاد الأوروبي علناً من أن انسحاب إيران من الاتفاق النووي سيكون أكثر ضرراً لإيران من الضرر الذي سيلحق بالاتحاد الأوروبي.

فلا شك بأن النظام الإيراني قد اعتاد على لعبة النفس الطويل التي مدت عمره بشكل مضاعف مرتين أكثر من آخر نظام ديكتاتور مر علي إيران. وبالتالي فإن التحدي الآن أمام الإيرانيين هو الوقوف صفا واحدا، والاستعداد لمعركة حقيقة ولكنها بشروط وأدوات تختلف عن أي تجربة سابقة. ان الظروف الموضوعية الحالية تفرض تفكيرا خارجا عن أي تجارب ماضية لإيران؛ فالتحدي الماثل لا يتعلق فقط بإسقاط نظام ديكتاتوري ، بل يتعلق بكيفية إنقاذ الدولة الإيرانية نفسها والمرهونة في يد مجرمي الحروب من المرشد إلى الحرس الثوري اللذين زجوا بإيران في الحريق الإقليمي، ووسع الحرث مظلة جرائمه ضد الإنسانية لكي تشمل كل إيران عبر الفساد، وعمليه التجويع لأكثر من 12 مليون إيراني باتوا يعانون من فقر غذائي كامل؛ بمعنى مجاعة، كما أن أكثر من 40 مليون إيراني باتوا تحت خط الفقر المزمن، باعتراف رسمي إيراني، هذا عدا عن التدمير الكامل والشامل للاقتصاد الذي حدث فعليا. ان الموقف بات الآن يتجاوز أية رؤية سياسية للحل؛ فالموقف الآن في إيران خطير وبشكل غير مسبوق، ويهدد بتدمير كامل لإيران، وينذر بتفكيكها إذا ما استمر النظام لفترة أطول، مع ما يصاحبه في فشل الحلول الأوروبية والصينية والروسية لإنقاذ إيران.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى