كورونا عمواسْ وسمَك بلا راسْ

كورونا عمواسْ وسمَك بلا راسْ
د. جودت سرسك

يشتهر مجتمعنا بتعلٌقه بأطعمة تقليدية لا يحيد عنها ويورِثها لأبنائه في كل عصرٍ
وعقد وقرن, فلا يمكن لك أن تتخيل مجتمعاً محليَاً لم يرثْ المنسف باللحم وبالدجاج أو طنجرة المقلوبة أو المكمورة أو صينية الخبز المرنَخ بالعدس والمزيَن بفحول البصل وحبات الليمون الذابلة أو الكوسا خرْط والمجدرة التي تتوشح بشرائح البصل
أو الباذنجان المحشي الذي يُكره عليه الأبناء إكراها مقارنة بحبات الكوسا المنتهية احمرارا بماء البندورة أو طبق الرشوف الذي يسيل لعاب الناظر له أو اللوف ومايسمى بالمجعجرة أو الخبيزة المعجونة بفتائل العجين والقائمةُ تطول ولا تنتهي وبينها قاسم مشترك هو العَوَز والفقر وفلسفة الابداع والحاجةُ أم الاختراع فيما لو قورنت بالبيتزا والسباجاتي والسمك الفيليه والسوشي . لقد تربينا على ثقافة التدبير وأن الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة وهذا ما كرَس سياسة الخنوع والرضى بالقليل والاكتفاء بغمس الخبز بالشاي لدرجة أن كثيرًا من البيوت لا تقوى على ترك السمك مقطوع الرأس رغم بشاعة شواربه وترعرعه في الصرف الصحي معللة أن له طعما لا يُعلى عليه ولا يقارن بالفارس والزبيدي والسلطان ابراهيم والدينيس . هل حكومة الولاية العامة مسؤولة عن ذائقة السمك أم أنَ مسؤوليتها تحوم حول تقصيرها في بذل جهدها في نقل تجربة السمك اليابانية ؟ إن الانسان القلق الجائع يُطلق عنانه للإبداع والحلول البديلة وفكرِ تدوير النفايات لاستخراج الطاقة منها ولا أدلَ على ذلك من طيب لحم الضباع وجودة مذاقِه رغم اعتياشه على الجيف وكذا حليب الرضاعة ومنشؤه من بين فرثٍ ودمٍ لبناً سائغاً للراضعين . لا يعقل أن تلام الحكومة على مذاق حليبها المرِ أو جفاف ضرعها وإنما اللوم على من لايحذون حذوا اليابانيين الذين نقرأ عن تجربتهم في صناعة الذوق والمذاق حيث يعرف عنهم تذوقهم الرفيع للسمك لدرجة أنهم تعففوا عن تناوله لتأخره يومين في رحلة الرجوع من الصيد لبعد المسافات التي يقطعها الصيادون مما يضطرهم لحفظه مبرداً فاضطرتهم ذائقتهم أن ينشئوا بركاً قريبة لتربية الأسماك إلا أنهم لم يستسيغوا طعمها المائع داخل البرك المترفة رغم حداثة عهد صيدها, وقادهم تفكيرهم المبدع إلى أن زاوجوها بأسماك قرش ذات شراسة فاضطربت أسماك البِركِ وظلَت في حراكٍ وترقبٍ وقلق لا خمولٍ وكسل حتى لا تنهشها سباع القرش. ورغم الخسارة التي نجمت عن افتراس جزء كبير من السمك المدجَن وافتراس القرش لصغار السمك من المعارضة إلا أن اليابانيين أدركوا النتاج العذب والمذاق الفريد, ويقولون لولا أبناء الفقراء لضاع العلم فهم قلقون لا يرضون إلا بالقمم. إن فكرة التمحيص وشد الحزام على البطون هديٌ نبوي ونهج العظماء فلا ضير من شيء من الجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات والبذل من أجل الولاية وصاحبها حالَ اليابانيين الذين كان يعمل أفرادُها أربع ساعات عملٍ إضافية هبةً لخزينة الدولة غير ساعاتهم الثمان الأصيلة التي كرَسوها لإطعام بيوتهم كفافاً, وبشِر الصابرين .إنَ فكرنا القديم مسؤولٌ عن مذاقنا الرديء بالسمك واختيار الحكومات ذات الشنب الكبيرعارية الرأس ومقطوعة الانجازوالنواب المترهلين وليس صاحبُ الولاية وحدَه مسؤولا عن ثقب أوزون عقولنا .لقد بالغ كثيرٌ من المعارضين باتهام معلم الحكومة وإيقاع الأذى به واتهامه بآفةٍ في جسده والتاريخ يعيد نفسه ويكرِر دوران دولابِه فهذا موسى عليه السلام الذي كان شديد الحياء والستر ولم يُظهر شيئا من جسده ممَا حدا ببني اسرائيل إلى اتهامه في رجولته فبرَأه الله ممَا قالوا فلجأ إلى عين ماء يستحمُ فَطار ثوبُه فلحق به عليه السلام مرددَا ثوبي والحجرثوبي والحجر, وكان عاريا ليُظهرَ اللهُ على أعين من اتهمه في رجولته وعوارِ جسده أنَه كامل الأوصاف فلا تكونوا ياربع الجباه السُمر كالذين آذوْا موسى فبرَأه الله مما قالوا .ألا يكفينا ذائقة السمك الفاسدة فحذارِ من أن يُظهِر اللهُ علينا ما أظهره لقوم موسى فوالله لن يسرَكم ما ستَرَون خاصَةً أنَ مُعلم حكومتنا لايُجيد غير الكافيار والسوشي ولا يعرف السمك المقطوع الرأس أو العدس أوالرشوف.لقد عوقب بنوا اسرائيل بالتيه أربعون عاما أمَا تيهُنا فأخشى أنْ يدومَ أبداً فلا نكونُ سبباً في زيادته بفسادِ ذائقتنا وخبْثِ نفوسنا .إنَ بلاءنا رحمةٌ بنا ودعوة نبيِنا وموتُ الصالحين قبلنا عباراتٌ سطَرها شهيدُ عمواس أبو عبيدةَ بنُ الجرَاح الذي قضى بالطاعون ورفَض أمرَ ابنِ الخطاب ولم يخرج من بين صفوف المسلمين وآثر أنْ يصيبه ما أصابَهم ولم يهرب أو ينكُص .إنَ كورونا ليست ببعيدة عن طاعون عمواس فنحن أول من علَم العالَم كيف يكون الموت بالطاعون وما كورونا غير نسخةٍ عن أمِها في قرية عمواس التي طمس معالمها بنو اسرائيل واستبدلوها بغابات الكنديين .إنَ منْ يتوقُ للسمكِ بلا راس لا شكَ أن أجداده سببٌ في طاعون عمواس وشتَان بين من يهرُب من الحجر الصحي وبين من ينقل اللقاحات والطعام للمصابين بالروبوت ,فإذا غابت الأخلاق والذائقة فإن حضارة الكمبيوتر ستتغلب على حضارة الجمل .كم تروق لي فكرةُ التمحيصِ والقلق وأنْ يُحشرَ زعماؤُنا وصناعُ قرارِنا مع مفترساتِ القرشِ علَها تنهشُ خُبثَهم وفسادَهم وخيانة الأوطانِ من دمِهم فتتفتَح وطنيتُهم وعقولُهم ولا ينهشُ فيهم الغنيُ الفقيرَ ولايبيع أرضه بصكِ منصبٍ أو دوام سلطةٍ وماهُم إلا منَا وما نحن إلا منهم .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقال جميل وشاف وافي… لم استمتع بمقالة من قبل كما هذه المقالة…. تحياتي للدكتور جودت

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى