أزمة التيار القومي اليساري / د. هاشم غرايبه

أزمة التيار القومي اليساري

لا شك أن أول تساؤل يقفز فور قراءة العنوان: لماذا جمع التياران القومي واليساري معا، فيما أفرز التيار الإسلامي بعيدا عنهما، مع أننا اعتدنا طوال القرن الماضي، أن نعتبر الثلاثة إضافة الى الشخصيات الوطنية المستقلة على أنها المكون الأساسي للمعارضة الأردنية، فما الذي حدث حتى استوجب فرزا مختلفا؟.
قبل الإجابة ينبغي أن نتفق على أنه ليس هنالك من يؤمن أو يكفر بالقومية العربية، فهي صبغة يصطبغ بها كل أبناء المنطقة العربية، وليست عقيدة أو منهج حياة، لكن اندماجها في الإسلام قولبها وألبسها لبوسا فكريا.
القوميات في الأصل تطور للقبلية، وهي نزعة رابطة لجماعة من البشر ذوي أصول موحدة، فيتحدد هذا الرابط في تلك الجماعة ولا يتسع لغيرها، لذا فالروابط القومية لا يمكن أن تكون عقيدة أو منهجا فكريا أمميا، وعليه فلا يصح اعتبارها منهجا فكريا (أيديولوجيا).
القومية العربية تختلف عما سواها لأنها امتزجت بالعقيدة الإسلامية فاكتسبت سمات أيديولوجية، لذا فالفكر القومي العربي عموده الفقري الإسلام، فإذا سحب منه ذلك، لا يتبقى إلا النزعة الشوفينية التقليدية التي تتصف بها كل القوميات الأخرى.
اليسارية حركة سياسية ظهرت بداية في البرلمان البريطاني كمعارضة لسياسة السلطة الحاكمة، واكتسبت هذا المسمى لأن هؤلاء النواب كانوا يجلسون على المقاعد في الجهة اليسرى من القاعة، ثم انتشرت في أوروبا لتمثل المعارضين لمتسلمي السلطة أينما كانوا، واتسمت بالتحيز الى الطبقة العاملة والمسحوقين، لذلك دعمها من يؤمنون بالماركسية والأفكار الإشتركية، فباتوا هم عماد اليسار.
هكذا حصل التباعد، فالقوميون حلفاؤهم المحافظون (اليمينيون)، واليساريون حلفاؤهم الماركسيون الأمميون، إذن فهما ضدان لا يلتقيان، لكن كيف تنافرا في كل العالم والتقيا عند العرب؟
الإجابة تكمن في مخرجات الثورات العربية عام 2011، فكلا التيارين كانا يعيشان على وهم أنهما مناط رجاء الجماهير المتعطشة للديمقراطية، كانت الصدمة عندما اكتسح الإخوان المسلمون الإنتخابات، ليس بناء على ثقة الناس بهم، فهم غير مجربين، فلم يتسلموا الحكم يوما، ولكن بناء على عنوانهم الإسلامي.
لذا فقد وجد الطرفان الحاجة ماسة الى توحيد جهودهما للوقوف في وجه هذا المنافس القوي، وظهرت أولى نتائج هذا التحالف في اتفاقهما على التوقف عن النضال ضد الأنظمة العربية المستبدة، والتحول الى تأييدها كونها أشرس الممانعين للإسلاميين، ومن هنا سنعتبرهما حليفين لا يجمع بينهما سوى مبدأ:”عدو عدوي صديقي”.
حقيقة كان التحالف ملاذهما الوحيد، فالطرفان يعيشان ظروفا قاسية، تتمثل بانسداد المخارج من مأزق الوضع الراهن، وانعدام السند والنصير.
القوميون كانوا يعتمدون على بضعة أنظمة عربية مانحة اعتبرت أنفسها تقدمية، واختلقت كمبرر لوجودها، معركة غير متكافئة مع أنظمة عربية أخرى اختارت العمالة للغرب كوسيلة لحفظ البقاء، تساقطت هذه الأنظمة بفعل نزعة الزعيم الملهم التي أنتجت الفساد والفشل، وبالتزامن مع هزيمة الإتحاد السوفياتي في الحرب الباردة.
الماركسيون العرب نفر قليلون، كانوا منذ البداية منفصلين عن وجدان الأمة، لأنهم أغرقوا أنفسهم في قوالب فكرية مغلقة، واستخدموا لغة خشبية غير متوافقة مع الواقع، عاشوا فترة من البحبوحة بنوا عليها آمالا خادعة، سرعان ما انهارت مع انهيار التحاد السوفياتي الداعم، فعادوا الى واقعهم من جديد.
ليس هنالك من أمل واعد في الأفق لهذين التيارين إن لم يراجعا اخطاءهما فيعيدا حساباتهما، فالتحالف الحالي بينهما مثل صداقة الأرملة مع المطلقة.. لا ينفع إلا بتعزيتهما لنفسيهما باستذكار الأيام الخوالي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى