وهكذا تصنعنا الحياة
عبد البصير عيد
يعتقد كثير من الناس أن الحياة صعبة لدرجة أنها تغير أشياء كثيرة في شخصياتنا وقيمنا وأفكارنا، وبالتالي لها تأثير كبير على القرارات التي نتخذها في شتى مجالات حياتنا، وتأثر هذه الصعوبات بشكل مباشر في طبيعة حياتنا مع من هم حولنا من عائلة وأصدقاء وزملاء في العمل، ومن جهة أخرى فالحياة تكسبنا كثير من الخبرات، فهناك خبرات تأتيك على طبقٍ من ذهب وأخرى تأتيك على شكل دروس فنكتسبها بعد تعرضنا لصدمات قاسية تخلق فينا ندباً وجروحاً غائرة يصعب على الإنسان نسيانها؛ فخبرات الحياة تصقل شخصياتنا وتطور من مهاراتنا وتقوينا وتجعلنا أقدر على الاستمرار في هذه الحياة، فالمثل يقول: “الضربة التي لا تقصمك تقويك”.
إن #الإنسان الذكي مَنْ يتعامل مع #مشاكل الحياة بطريقة واعية تمكنه من تحويل المشكلة إلى خبرة، ومن ثم تحويل هذه #الخبرة إلى درس يمكن أن يستفيد منه في مستقبله، وهذا ما يقصد بعملية الصقل أو النحت التي تشكل منك إنساناً آخر، إنساناً جديداً، إنساناً قوياً متيناً غير ضعيفٍ، إنساناً يملك خبرة كبيرة تجعله أقدر من غيره على مواجهة مصاعب الحياة وقسوتها، إنساناً غير قابل للكسر بسهولة، إنساناً أقدر من غيره على تحمل مسؤولية نفسه ومسؤولية من حوله.
إن الحياة تقوي مواقفنا فهي تنقل عملية التفكير لدينا من اللاوعي إلى الوعي، ومن الاعتماد على المشاعر والعواطف إلى التفكير بطريقة عقلانية ومنطقية؛ فالجميع يعلم أن حياتنا تبنى على كثير من القرارات، كالزواج والطلاق، والهجرة والدراسة، والبيع والشراء، وفي كثير من الأحيان يمكن لهذه القرارات أن تكون حاسمة ولها تبعاتها التي تجرها، ففقدان الخبرة في هذه الحياة يجعل الإنسان أكثر عرضة للميل إلى قرارات غير مسؤولة وغير ناجحة.
إن التفكير السليم الواعي لا يأتي من فراغ بل يولد من التعرض لعديدٍ من المواقف الحياتية سواءً كانت ناجحة أم فاشلة، فهي بلا أدنى شكٍ مفيدة لمن يتعلم منها؛ فدائماً ما نجد أصحاب الخبرة هم من شاب شعرهم وتجعدت وجوههم وقل كلامهم في هذه الحياة.
إن #الصبر من أهم المعطيات في التعامل مع ملمات #الحياة ومشاكلها وهذه الميزة كفيلة بحماية الإنسان من الانهيار ومنعه من السقوط، وليس من السهل أن يملك الإنسان الصبر إن لم يكن لديه مخزونٌ من الإيمان يمكنه من تجاوز ملمات الحياة ومشاكلها بأقل الخسائر؛ فالإنسان يمكن أن يتعرض لكثير من الابتلاءات الجسدية والمادية والروحية إلا أن الإنسان القوي هو الذي يخرج منها بإيمانٍ راسخٍ ومعنوياتٍ عالية وروحٍ نقية، فما من عسر إلا وبعده يسر.
إن تعقيدات الحياة وتنوع مشاكلها ومصادرها يحتاج إلى مرونة تمكننا من التعامل مع هذا الكم من التنوع، وكلما زادت الخبرات التي نتعرض لها خلقت منا بشر أكثر مرونة وأكثر انفتاحاً على الحلول ومواجهة المصاعب، ويمكن لهذه الخبرات أن تعلمنا تعليماً غير محدود إذا نظرنا إليها بنظرة إيجابية وبحثنا عن نقاط مضيئة تنير حاضرنا ومستقبلا.
الشخص الإيجابي هو شخص مليء بالطاقة الكامنة التي تسكن قلبه وروحه، وهذا الانسان يملك عصاً سحرية تمكنه من تحويل الحزن إلى سعادة وتحويل المشاكل إلى حلول وجبر المكسور وتصليحه بأسرع مما يتصوره الآخرون، وعلى النقيض التام، تجد الشخص السلبي يخلق المشاكل من العدم وهو غير قادر على حل مشاكله وهذا بالضرورة يعني أنه غير قادر على حل مشاكل من حولهم، ربما يكون هذا الشخص تعرض لتجارب حياتية لم يستطع أن يتعامل معها بطرق صحيحة فأدت إلى هدم جزء من شخصيته وقيمه وأخلاقه.
لا يوجد أنسان كامل ودروس الحياة كثيرة ومستمرة، فمن قال قد علم فقد جهل، وكما قيل: “نعيش ونتعلم”، فدروس الحياة لا يوجد فيها كبير لا صغير، لكن الاختلاف يكمن في كيفية التعامل مع هذه الدروس وهذه الخبرات المختلفة. هناك مفاتيح لهذه الحياة أهمها الصبر والوعي والمرونة.