وقفة محاسبة على أعتاب عام ميلادي جديد 2026

#وقفة_محاسبة على أعتاب #عام_ميلادي_جديد 2026

#ماجد_دودين

تصرمت الأعوام عاما بعد عام، ونحن في غفلتنا ساهون نيام. أما تشاهدون مواقع المنايا، وحلول الآفات والرزايا، وكيف فاز وأفلح المتقون، وكيف خاب وخسر المبطلون المفرّطون. ألا وإنه قد تصرم من أيام الحياة عام قد اقترب وداعه، شاهدا لكم أو عليكم بما أودعتموه. فمن أودعه صالح العمل فالخير بشراه، ومن فرط فيه فأحسن الله في عمره عزاه. فيا ليت شعري على أي شيء تطوى صحائف هذا العام، أعلى أعمال صالحة وتوبة نصوح تمحى بها الآثام؟ أم على ضدها؟ فليتب الجاني إلى ربه، فالعمل بالختام. فاتقوا الله عباد الله واستدركوا عمرا ضيعتم أوله. فرحم الله عبدا اغتنم أيام القوة والشباب، وأسرع بالتوبة والإنابة قبل طي الكتاب، وأخذ نصيبا من الباقيات الصالحات، قبل أن يتمنى ساعة واحدة من ساعات الحياة.

أين من كان قبلكم في الأوقات الماضية؟ أما وافتهم المنايا وقضت عليهم القاضية؟! أين آباؤنا وأين أمهاتنا؟ أين أقاربنا؟ وأين جيراننا؟ أين معارفنا وأين أصدقاؤنا؟ رحلوا إلى القبور، وقلّ والله بعدهم بقاؤنا. هذه دورهم فيها سواهم، هذا صديقهم قد نسيهم وجفاهم. أخبارهم السالفة تزعج الألباب، وادّكارهم يصدع قلوب الأحباب، وأحوالهم عبرة للمعتبرين، فتأملوا أحوال الراحلين، واتعظوا بالأمم الماضين، لعل القلب القاسي يلين. وانظروا لأنفسكم ما دمتم في زمن الإمهال، واغتنموا في حياتكم صالح الأعمال، قبل أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله، فيقال هيهات، فات زمن الإمكان، وحصل الإنسان على عمله من خير أو عصيان. فنسألك اللهم يا كريم يا منان أن تختم عامنا هذا بالعفو والغفران، والرحمة والجود والامتنان، وأن تجعل عامنا المقبل عاما مباركا حميدا، وترزقنا فيه رزقا واسعا وتوفيقا وتسديدا.

مع انقضاء عامٍ ميلاديٍّ وبزوغ آخر، يقف الإنسان وقفة صدق مع نفسه، متأمّلًا سرعة انقضاء الأيام، وتتابع السنين، وكأنها لحظات عابرة في عمرٍ محدود. فالأعوام لا ترحل عبثًا، بل تُطوى ومعها صفحات من أعمالنا، شاهدةً لنا أو علينا.

قال الله تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ [الإسراء: 13]

العام الراحل… سجلّ مفتوح

لقد ودّعنا عامًا كاملًا حمل في طياته أفراحًا وأحزانًا، نجاحاتٍ وإخفاقات، طاعاتٍ وغفلات. وهو اليوم شاهدٌ صامتٌ بما أودعناه فيه؛ فمن ملأه بخيرٍ فهنيئًا له، ومن فرّط وقصّر فباب التوبة ما يزال مفتوحًا.

قال رسول الله ﷺ: (إنما الأعمال بالخواتيم) (رواه البخاري)

وليس تغيّر الأرقام في التقويم نهايةً بحد ذاته، بل العبرة بما تغيّر في القلوب، وبما استقام في السلوك، وبما قُدّم من عملٍ خالصٍ لله تعالى.

بين فوز المتقين وخسارة الغافلين

إن المتأمل في أحوال الناس يرى بوضوحٍ سنّة الله في خلقه؛ فالمتقون هم الفائزون، والمفرّطون هم الخاسرون.

قال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [العصر: 1–3]

وفي كل نهاية عام تتجدد الدعوة إلى مراجعة النفس، ومحاسبتها، قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه الندم، ولا تُقبل فيه الأعذار.

التوبة… فرصة لا تتكرر

من رحمة الله بعباده أن فتح لهم باب التوبة، ودعاهم إلى الرجوع إليه مهما عظمت الذنوب.

قال سبحانه: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: 53]

فالسعيد من اغتنم ما بقي من عمره في الطاعة، وأسرع إلى الإنابة، واستثمر أيام القوة قبل الضعف، والحياة قبل الممات.

دروس الراحلين وعِبرة الباقين

أين الذين كانوا بيننا في الأعوام الماضية؟

رحلوا وبقيت أعمالهم، وسكنت أجسادهم القبور، بينما مضت الدنيا في طريقها لا تلتفت لأحد.

قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [آل عمران: 185]

إن في أخبار الراحلين عبرةً للأحياء، وفي مصائرهم موعظةً للغافلين، لعل القلوب القاسية تلين، والنفوس اللاهية تستيقظ.

عام جديد… بعهدٍ جديد

ومع اقتراب عام 2026، لا يكون التجديد الحقيقي في المظاهر والاحتفالات، بل في تصحيح المسار، وتجديد العهد مع الله تعالى، والإقبال على العمل الصالح، واستثمار الوقت فيما ينفع في الدنيا والآخرة.

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾ [الحشر: 18]

نسأل الله الكريم أن يختم عامنا بالعفو والغفران، والرحمة والإحسان، وأن يجعل عامنا المقبل عامًا مباركًا، عام طاعةٍ واستقامة، وخيرٍ وأمان.

اللهم اختم بالصالحات أعمالنا، وأصلح لنا جميع أحوالنا. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر. اللهم اختم لنا بخاتمة السعادة، واجعلنا ممن كتبت لهم الحسنى وزيادة، يا كريم يا رحيم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى