وصفي التل في أفئدة الأردنيين ..!

#وصفي_التل في #أفئدة_الأردنيين ..!
موسى العدوان
في الثامن والعشرين من شهر نوفمبر وفي مثل هذا اليوم من كل عام، يستذكر #الأردنيون #شهيد_الوطن وصفي التل، ويلقون بهذه المناسبة الخطب والقصائد التي تجسّد مآثره في سبيل الأردن وأهله. وفي ذكرى استشهاده هذا اليوم، سأحاول إلقاء ضوءا بسيطا على جانب من سيرته وإنجازاته، التي خلدت ذكراه العطرة في ضمائر الأردنيين الشرفاء وفي تاريخ الأردن الحديث.
فتاريخ وصفي السياسي والنضالي، بدأ منذ تخرجه في الجامعة الأمريكية ببيروت عام 1941. ثم مارس الخدمة العسكرية في الجيش البريطاني حتى وصل إلى رتبة نقيب، بغرض اكتساب الخبرة العسكرية أسوة بما فعله شباب اليهود، الذين انظموا إلى الفيلق اليهودي في الجيش البريطاني، وقاتلوا مع الحلفاء في الحرب العالمية الثانية واكتسبوا الخبرة القتالية.
ساهم وصفي بعد انتهاء تلك الحرب، مع عدد من الشخصيات العربية في إنشاء المكتب العربي في القدس، لتوعية وتدريب الشباب الفلسطيني على الأعمال القتالية، استعدادا للحرب المتوقعة مع اليهود في فلسطين. وانظمّ لاحقا إلى جيش الإنقاذ الذي شكلته الجامعة العربية، وتسلم به وظيفة ركن عمليات، ثم قائدا للواء الرابع برتبة مقدم.
وعندما انتهت مهمة جيش الإنقاذ بعد دخول الجيوش العربية إلى فلسطين في 15 أيار 1948، انتقل وصفي إلى الجيش السوري، الذي استوعبه مع عدد من ضباط وأفراد جيش الإنقاذ.
عاد وصفي إلى الأردن وتولى العديد من الوظائف الحكومية، بعد خسارة حرب عام 1948، وشكل خمس وزارات على ثلاث مراحل، كانت أولاها في عام 1962. وتمكن خلال توليه الحكم من إنجاز الأعمال التالية :
اصلاح الجهاز الإداري، إعادة تنظيم أجهزة الدولة، القضاء على الرشوة والمحسوبية، رفع سوية الأداء الوظيفي، أنشأ المعسكرات الصيفية للشباب، اشراك القوات المسلحة في شق الطرق وحفر الآبار وتمديد أنابيب المياه. وأنقذ الأردن من حرب أهلية كادت أن تقوضه وتمزق وحدته، رغم أنه لم يكن في سدّة الحكم خلال جزء من المرحلة الثالثة.
حذّر وصفي من دخول الأردن في حرب حزيران لكونها حربا غير متكافئة، إلا أن موقف الأردن مع الدول العربية ألزمه بالمشاركة في تلك الحرب رغم توقعه لنتائجها السلبية. وفي إجابته على سؤال لأحد الصحفيين بعد انتهاء تلك الحرب، عن الحل الذي يمكن أن يحفظ ماء وجه الأمة وكرامتها، قال وصفي:
” أن لا حل ولا كرامة إلاّ بالقتال “. فذهل الصحفي من هذه الإجابة، لأنه كان يعارض فكرة الحرب قبل وقوع الهزيمة بقوله: ” هذا ليس الزمان الذي نستطيع فيه محاربة إسرائيل “.
وعندما لاحظ وصفي تعجب الصحفي رد عليه قائلا: ” عندما كنت أرفض مقاتلة إسرائيل، كنت أفعل ذلك بشعور المسئول . . كانت بين يدي كما كانت بين أيدي معظم المسئولين العرب، الحقائق والأرقام التي تؤكد أن أية معركة في ذلك الحين، ستكون لمصلحة إسرائيل.
أما اليوم فإنني أتحدث بشعور المواطن . . شعور المناضل . . إنني لن أصدق أن إسرائيل ستقبل التنازل عن شبر من الأرض، إلا ويكون ثمنه أمجادنا وكرامتنا وتاريخنا وحياتنا “.
وإنني لا أقول اليوم بقتال الجيوش التقليدية . . إنني أقول بقتال لا يمكّن إسرائيل أن تقطف ثمار عدوانها واحتلالها. إنني على استعداد أن أقوم بتشكيل فرق من المقاتلين لا يزيدون عن المائتين، وأعبر على رأسهم النهر، وأتمركز في منطقة جنين والحولة وطبريا، تلك المناطق التي سبق أن قاتلت فيها عام 1948. وإني على قناعة تامة أنني بالتعاون مع فرق أخرى في بقية المناطق، سنعيد ما فقدته الجيوش العربية “.
في قناعة وصفي: ” أن هزائمنا من عام 1917 وحتى عام 1967، تعود في معظم أسبابها إلى قصور العقل والخلق عن قيادة المعركة. وأن النصر لن يتحقق إلا بعد أن يتسلم العقل والخلق معركة التحرير. والركن الأساسي في معركة التحرير، هو الإرادة التي تعبر عن موقف خلق وعقل، يشكلان إرادة القتال وإرادة الحشد للنصر “.
لقد كان لوصفي رؤية سياسية واقتصادية وعسكرية، ولكنه أكد بأن نجاح تلك الخطط، يعتمد على تحويل المجتمع إلى مجتمع حرب، ولابد لكل مواطن من المساهمة في معركة السلاح أو في معركة الإنتاج. ولتنفيذ تلك الخطط المصيرية، لابد من اختيار فريق يخضع للشروط التالية:

  • الإيمان المطلق بالأرض وأهلها ونظامها.
  • الكفاءة المطلقة والقدرة على العمل بإصرار لبلوغ الهدف.
  • السيطرة على الأعمال والحركات وتنظيم استخدام الوسائل والطاقات.
    ولخص وصفي فلسفته في الحكم بعد تجاربه العملية بالعبارات التالية:
    ” إنّ المواطن الذي يعيش في أمن حقيقي، هو وحده الذي يعرف كيف يموت بشجاعة في سبيل بلده. أما المواطن الذي يعيش في الخوف والرعب والفوضى، فهو لا يملك شيئا يعطيه لا لبلده ولا لأحد من الناس. ومن غير النظام والقانون، لا يمكن لأي مجتمع في هذا العالم أن يؤّمّن لمواطنيه أمنا حقيقا “.
    آمن وصفي بتحرير أرض فلسطين المغتصبة بالقوة، من خلال إعداد قوة عربية مشتركة قادرة علة إنجاز المهمة. فحَمل تصوره هذا إلى اجتماع وزراء الدفاع العرب في القاهرة، ولكن التآمر ويد الغدر كانتا بانتظاره على مدخل فندق الشيراتون في القاهرة، فصعدت روحه إلى بارئها وهو يحمل خطة التحرير بيديه. وبهذا الفعل الإجرامي اغتال الخونة قضية فلسطين المقدسة، قبل أن يغتالوا وصفي التل على أرض الكنانة.
    لقد كتب السياسيون والشعراء الكثير عن مناقب الشهيد وصفي التل، ولضيق المكان سأختار مقتطفات مما كتبه ثلاثة منهم:
  • دولة السيد طاهر المصري قال في كلمة تأبينية بعد استشهاد وصفي ما يلي: ” بعد حرب حزيران 1967 كانت رؤية الشهيد وصفي التل، تقوم على مبدأ الإعداد والاستعداد لتحرير فلسطين، ولكن من خلال قوة عربية مشتركة قادرة على انجاز المهمة. وحمل تصوره ذاك إلى اجتماع وزراء الدفاع العرب في القاهرة حيث استشهد هناك “.
  • الشاعر محمود فضيل التل ألقى قصيدة طويلة في رثاء وصفي أقتبس منه الأبيات التالية: وصفي ستبقى مدى الأيام شاهدنا * * فالأردنيون ما في قولهم زلل إنّا افتقدنــاك والأيـــــــــام حــالكــــــــة * * لِمَ الرحيل لماذا جاءك الأجل ؟ هذي دمــــــاؤك نــــــور نستضئ بـــه * * أخشى الظلام إذا ما عاد يرتجل وصفي طريقك قد صارت لنا مثلا * * من الوفاء أصيل ليس يُنتحل جرح الشهــادة تـــــاجـا كنت تحملـــه * * لكنهم من جراح الذل قد حملوا
    • أما الشاعر حيدر محمود فألقى قصيدة تأبينية تحاكي أوضاعنا الحالية، أقتبس منها الأبيات التالية :
      قد عاد من موته وصفي ليسألني * * هل ما يزال على هدي به وطني ؟
      ولم يقـل إذ رأى دمـــعي يغالبنــي * * ألا كفـــى وأعيدونــي إلى كفنـــي
      فباطــن الأرض للأحـــرار أكــرم من * * كل الذي فوق الأرض من عفـــنِ
      هذا حمـــانا ونحـن العاشــــقون له * * وأنت في كل قلب غير مرتهــــن
      يا خال عمار صــار الناس مزرعــــة * * للمارقيـــن وباتوا هم بلا ســــكن
      لهذه الأسباب وغيرها . . سكن حب وصفي في أفئدة الأردنيين. فهو الرئيس الذي لم تمتد يده إلى المال العام، ولم يسجل العقارات والشركات باسمه واسم عائلته، ولم يستغل موقعه الرسمي لتحقيق مكاسب شخصية، بل كان نموذجا للمسؤول المخلص، الذي نذر نفسه لخدمة الوطن والمواطن، فصنع هيبة الدولة التي افتخر بها كل أردني في جينه، وحَمَل مشروعا قوميا جهاديا لتحرير فلسطين. فبدل أن يأخذ وصفي من الوطن ومقدراته . . أعطى أغلى مايملك للوطن . . روحه ودمه الزكي.
      فهل من رئيس وزراء جديد . . يستطيع أن ينافس وصفي في العبور إلى أفئدة الأردنيين؟ وصفي غادر كرسيه قبل أربعة عقود ونصف، وللأسف لم نجد رئيسا يستطيع أن يملأ كرسيه الخالي من بعده. وبمناسبة ذكرى استشهاده التي تصادف اليوم، لا يسعنا إلا أن نترحّم على روحه الطاهرة، ونسأل الله أن يسكنه جنات الخلد، ويجزيه عن الأردنيين خير الجزاء.
      التاريخ: 28 / 11 / 2022

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى