وراء الحدث

وراء الحدث
د. هاشم غرايبه
رغم أن الله أكرم العلامة الشيخ يوسف #القرضاوي رحمه الله بالعمر المديد و #العلم الغزير، إلا أن خبر وفاته كان أليما، لأن فقدانه #خسارة كبيرة للأمة، فهي بحاجة الى أمثاله من ذوي #الفكر النير والعقل الراجح، لينتشلوها من #الضياع الذي أحاق بها، ويحرروها من الحصار الذي فرضه عليها أعداؤها التاريخيون لإبقائها ممزقة مستضعفة.
لذلك فليس مستغرباً أن يستهدف #الأعداء هؤلاء النخبة بسهامهم المسمومة لأنهم لهم غائظون ولكيدهم كاشفون، لكن المستغرب أن يساعدهم في ذلك نفر من أبناء جلدتنا، بحملات إعلامية يستخدم فيها التزوير وقلب الحقائق سلاحا.
وككل الابتلاءات التي يسوقها الله ليميز الخبيث من الطيب، فقد كان هذا الحدث كاشفا للنفوس، فكل مسلم صادق في إيمانه شعر بالأسى لوفاة الشيخ القرضاوي، لأن المسلم القويم يحب في الله، ويلتقي مع الآخرين أو يختلف معهم بناء على المحبة في الله، ولا يهتم بانتماء الشخص العرقي ولا السياسي ولا الجغرافي.
أما المنافق فهو يحب ويبغض بدوافع الهوى والمصلحة، لذلك فكل من ترحم على فقيد الأمة، هو مبدئيا مسلم قويم، وكل من تعرض له بقول فاحش أو ذم، هو من معادي منهج الله، بغض النظر إن كان ممن يصومون ويصلون، أو من الذين لا يؤمنون بمنهجه أصلا.
رغم علو أصوات هؤلاء، وتوهم كثرتهم لعلو ضجيجهم، إلا أنهم مجتمعين لا يتجازون 10 % من المجتمع، وهم يندرجون تحت ثلاث فئات:
1 – أعوان الأنظمة السياسية العربية المستبدة، التي استولت على السلطة بغير حق، لذلك يناصبون العلماء الربانيين العداء لأنهم يقولون فيهم كلمة الحق ولا يتزلفون لهم.
2 – بعض متبعي التيارات السياسية المنافسة للإخوان المسلمين، فيعادونه بناء على أنه كان منتسبا للإخوان في شبابه، مع أنه لم يقبل منصب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين رغم توسط صديقه محمد عماره لإقناعه، لأنه يرى أن الالتزام الحزبي يحد من قدرات المفكر.
3 – أتباع الجماعات السلفية المتشددة، كالوهابية وأخواتها، وسبب عداء هؤلاء لفقيد الأمة رحمه الله، هو أن فكره كان فيصلا، كشف ضلال هؤلاء وبعدهم عن فهم دين الله، فقد بيّن أن الدين القويم هو ما يحقق تطبيق منهج الله للأفراد والمجتمع، وليس في مجرد إقامة أفعال العبادة الظاهرة.
من هنا نفهم سر كراهية هؤلاء لهذا العلامة، فذلك لأنه نقض بالدليل الدامغ حجة اتباع المذاهب التي تتشدد في اتباع المظاهر، وتتقبل وصم الجهاد بالإرهاب، فتُحرّم مساءلة الحاكم الموالي لأعداء الله والمحالف لهم ضد المسلمين، بذريعة محاربة الإرهاب، وتوجب طاعته طالما سمح للناس بالصلاة.
فقد كان رأيه القاطع في هذا الأمر: لو أراد الله من متبعي دينه مجرد إقامة الشعائر العبادية لأبقى الدعوة في مكة، فقد كان ممكنا بعد أن قويت شوكة المسلمين أن يفرضوا على المشركين تقبل أدائهم لشعائرهم الدينية، وقد قدموا عرضا بذلك، لكن الله تعالى أنزل سورة “الكافرون” وفيها رفض قاطع لهذا التنازل، وأمر نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه من المؤمنين بالهجرة الى المدينة، لكي يقيموا نظاما سياسيا يطبق منهج الله. لنتخيل أن المؤمنين رضخوا لرغبات أولي الأمر من سادة قريش، بإبقاء الدين فرديا وأمرا خاصا بين العبد وربه، وأطاعوهم بذريعة أن الخروج على ولي الأمر فتنة، هل كان لمنهج الله أن ينتشر في الأرض؟.
لذلك فليست مواصفة ولي الأمر الواجب طاعته بالحاكم الذي يسمح بإقامة الصلاة كما يدّعون، بل الذي يطيع الله ويلتزم بما أنزله في الولاء والبراء، والتحالف والعداء.
من إمارات المؤمن الصالح أن الله يدافع عنه، فالشيخ القرضاوي هيأه المولى ليكون واحدا من المصلحين مجددي الدين في هذا العصر، من أمثال: سيد قطب ومحمد الغزالي ومحمد عماره..والعشرات غيرهم، فمنذ صغره عرف بين أقرانه بالنبوغ، وكان متفوقا عليهم طوال المراحل الدراسية، وكان ترتيبه الثاني على مصر في التوجيهي، ولما ضايقه الطغاة في موطنه وأرادوا النيل منه، يسر له سبيلا خارجه، فوجد في (قطر) اعترافا بعلمه وفضله، واحتوت قبره حينما ضاق عنه وطنه الرازح تحت حكم الطغاة.
من أهم إنجازاته بفضل من الله تأسيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وأكثر من مائة كتاب ورسالة، ستبقى منارة للفقه المعاصر، وصدقات دائمة له بإذن الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى