وراء الحدث

#وراء_الحدث

د. #هاشم_غرايبه

لا شك أن حاثة تفجير أجهزة (البيجر) التي حدثت بالأمس في لبنان، وذهب ضحيتها عدد من الشهداء والمصابين، حادثة مؤلمة، ليست بخسارة الأرواح فقط، بل بانكشاف مدى الإختراق الأمني لحركات المقاومة.
لذلك قبل بحث الخفايا التقنية لما حدث، ومن هي الجهات الدولية المتورطة في العملية، يجب البحث في المشكلة الأهم وهي: لماذا يسهل اختراق أمتنا وتجنيد عملاء من بينها يخدمون الأعداء عن سابق علم وتصميم، فيما يصعب علينا اختراق أفراد من أعدائنا.
لن أطرح الفرضيات الممكنة لتفسير تفجير هذه الأجهزة التي استوردها حزب الله من شركة تايوانية، هي لم تصنع في تايوان بل في أوروبا، فالخبر الذي هو اليوم بفلوس غدا ببلاش كما يقول المثل، فلا بد أن هنالك جهازاً ما لم ينفجر، وبالكشف عليه ستظهر الحقيقة، وتنكشف الجهة التي تمكنت من تفخيخ هذه الأجهزة، وفي أية مرحلة من سلسلة التوريد حدث ذلك، وهل كان تفجيرا عن بعد أم أنه اختراق سيبراني للأجهزة.
ما سأطرحه هو ما يجب على أصحاب القرار بحثه مليا، وهو المبني على حقيقة أن التقدم التقني للعدو، بالغا ما بلغ، لن يمكنه من تنفيذ عمليات الإغتيال المتكررة بين الفينة والأخرى، بهذه الدقة والإحكام، من غير معونة من متنفذين من بين أبناء الأمة وهؤلاء متمكنون من تزويد العدو بالمعلومة الدقيقة، لأنهم يتبوؤن مناصب عليا في الدول العربية أو يشغلون مراكز حساسة فيها، فقد ذهب زمن الذين كانوا من العامة ويحملون كاميرات تصوير وأجهزة إرسال، فلم يعد لهؤلاء لزوم بعد أن باتت كاميرات الأقمار الصناعية ذات قدرات فائقة الدقة، وبعد أن أصبحت كل الشوارع والأزقة والأسواق وحتى المقاهي، مزودة بكاميرات تغطي كل متر مربع في العالم، تصور وتسجل وتبث الى شياطين الإنس (سي آي ايه ومنها الى وكلائها)، ولديها تقنية التعرف على الوجوه وملاحقة من يريدونه أينما ذهب.
ولعل عملية اغتيال القائد القسامي (المبحوح) في دبي عام 2010، كانت أكبر دليل على أنه لا يمكن أن تنجح تلك الاغتيالات والأعمال القذرة بدون ترتيب وإعداد مسبق مع الشيطان الأكبر، الذي ينسق تأمين تنقل العناصر المكلفة بالتنفيذ في كافة المنافذ الدولية وبلا إعاقة، وعودتهم سالمين، كما يتولى تكليف عملائه المحليين بتقديم المعلومات والدعم والحماية، فقد تبين أن كاميرات المراقبة في الفندق وخارجه كانت تزود الموساد على مدار الساعة بتحركاته، والمعروف أن الأجهزة الأمنية المحلية هي الوحيدة التي يمكنها الوصول الى تلك الكاميرات، لذلك فلا بد أن تلك الأجهزة إما مخترقة من قبل العدو أو أنها متواطئة معه، لكن ما يرجح الإحتمال الثاني أنه لم يتم اعتقال الجناة رغم توفر معلومات عن أسمائهم الحقيقية وجوزات سفرهم المزورة، ولم يتم مطالبة الشرطة الدولية باعتقال أي منهم، بل لم تنشر تلك المعلومات إلا بعد أن خرجوا آمنين.
قد يكون من العبث مطالبة الأنظمة العربية بالتدقيق في اختيار من يشغل المناصب الحساسة، بحيث يستبعد المرتبطون بالعدو أو بالشيطان الأكبر، لأن هؤلاء مفروضون عليهم، ودرّبوا في معاهد ذلك الشيطان أصلا، ولم يتم تأهيلهم إلا بعد أن أثبتوا ولاءهم له، ولعل أوضح دليل تاريخي كان اسناد عبد الناصر أهم منصب أمني لصلاح نصر الذي كان واضحا ولاؤه للمخابرات الأمريكي، فعاث في الأرض فسادا، وما أقاله عبد الناصر الا بعد أن تبين له دوره الأكبر في هزيمة 67.
لذلك لا يبق من مجال أمام المناضلين المستهدفين من قبل العدو المدعوم من كل المخابرات العالمية، إلا التنبه للعملاء المحليين، فنرجو أن يكون ما حدث درسا بليغا للمقاومين أينما كانوا بعدم الاطمئنان الى السلطات المحلية، فقد يكون منهم حاقدون على الإسلام يحلمون باستئصال شأفته، يتحينون الوسيلة لمعاونة العدو عليه، أو معادون لمنهج الله يخشون أن ينتصر المطالبون بانتهاجه، أو طامعون بالمال من غير المؤمنين، فلا تردعهم مخافة يوم الحساب عن الخيانة.
يجب الحذر من هذه الأصناف الثلاثة، فهم يمثلون السواد الأعظم للمنافقين فينا، واختراق العدو للأمة أكثر ما يكون منهم، ولما كانت أمتنا زاخرة بهؤلاء، فذلك يفسر لماذا يسهل على العدو تجنيد العملاء من بيننا، فيما يصعب علينا اختراقهم.. فلا منافقون إلا عندنا.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى