هَيكلة هيئة الاستثمار / سلامة الدرعاوي

هَيكلة هيئة الاستثمار

في إطار الضغوطات التي تتعرض لها الحُكومات على الدوام بخصوص الهيئات المُستقلة والتي باتت تُشكّل عبئاً كبيراً على خزينة الدولة، وسبباً رئيسيّاً في عجز الموازنة، قامت حكومة سابقة قبل ما يقارب الثلاث أعوام بدمج مؤسسة تشجيع الاستثمار بالمناطق التنمويّة ونتج عن هذا الاندماج ما يعرف بهيئة الاستثمار.
تجربة هيئة الاستثمار لمّ تحقق الهدف المرجو من إنشائها، وهذا ما أثبتته الإحصاءات الرسميّة التي كشفت عن تراجع مُستمر في الأعوام الأخيرة للتدفقات الاستثماريّة وآخرها انخفاضه بنسبة 53 بالمئة في عام 2018.
أسباب الفشل عديدة، فالأساس في الدمج لمّ يكّن ضمن خطة إعادة هَيكلة المؤسسات المعنية بالاستثمار ضمن هيئة واحدة في إطار غير تقليديّ، لكن ما حدث فعلاً على ارض الواقع أن الدمج حدث بين المؤسسات دون إعادة الهَيكلة المطلوبة، فمن 100 موظف في مؤسسة تشجيع الاستثمار بات هُناك 300 موظف بعد الدمج، ولم تتوزع الصلاحيات بقدر ما أضيفت أعباء بيروقراطيّة جديدة على الوضع المزري القائم بالأساس، مما شكل عقبات إداريّة جديدة أثناء العمليّة الاستثماريّة.
فعلا هيئة الاستثمار بعد سنين عملها بحاجة إلى إعادة هيكلة جذريّة، والحقيقة أن الهَيكلة المطلوبة لا تتعلق بتغيير رئيس الهيئة، فالأمر لا يتعلق بالأشخاص بقدر ما هو يتعلق بالنظام المؤسسيّ المُتبع في العمليّة الاستثماريّة الرسميّة تحت مظلة هَيئة الاستثمار.
الأساس في إعادة الهَيكلة أن يجري مُراجعة شاملة لإجراءات الاستثمار المُتبعّة وإعادة تقييم النظام المُتبعّ من حيث الصلاحيات المفوضة للهيئة والعاملين فيها ومدى انسجام تلك الصلاحيات ما باقي الصلاحيات المُشابهة في مؤسسات الدولة الأخرى المُختلفة.
ما يحدث على ارض الواقع من إجراءات مُعيقة للعمليّة الاستثماريّة ليس مُتعلق بشكل المؤسسة أو الهيئة المعنية بالاستثمار، وإنّما هو مُتعلق بالصلاحيات بالدرجة الأولي، فجميع ما يحدث من اختلالات في العمليّة الاستثماريّة ناتج من تضارب الصلاحيات بين موظفي الدولة المعنيين بمنح الموافقات الاستثماريّة بالدرجة الأولى.
الصلاحيات المقصود بها هو تفويض كامل لِهَيئة الاستثمار بمنح الإعفاءات والتسهيلات اللازمة لأي مشروع استثماريّ بناءً على قرارهم الذاتيّ المبنيّ على دراسات تُبيّن حقيقة القيمة المُضافة لهذا المشروع، وبالتالي لتصويب منح الإعفاءات بشكل عشوائيّ دون معايير التي يجب أن تبوب بشكل واضح ضمن معايير تمنح من خلالها الإعفاءات، وتكون مُتعلقة بالتوظيف للأردنيين وتساهم بالصادرات وجذب العملات الصعبة والتكنولوجيّا وتستخدم مُدخلات انتاج محليّة، وهُنا لا بد من أن تؤطر هذه العملية ضمن قانون يمنع الاجتهادات للجان أو حتى لمجلس الوزراء الذي يجب أن يكون دوره مَحصوراً بالاطلاع والموافقة النهائيّة والتعامل مع الحالات الاستثنائيّة فقط لا غير، لا أن تُترك عملية منح التسهيلات والإعفاءات للجان لا تمتلك صلاحيات ولا تدرك أهمية المشروع أو أن يُترك للمزاجيّة الشخصيّة بأن تلعب دورها وتفتح المجال للواسطة والمحسوبيّة في منحها، الأساس هو أن تكون العمليّة مؤسسيّة مَعروفة لأيّ مُستثمر داخليّ أو خارجيّ على حدٍ سواء.
الإشكاليّة الأخرى التي تلمسها أيّ مُستثمر أثناء سيره بالعمليّة الاستثماريّة لِمشروعه هو الفجوة الحاصلة بين قرارات مجلس الوزراء الخاصة بالإعفاءات والتسهيلات لمشروع معين وبين التطبيق الفعليّ لهذا القرار من الصف الثاني في المؤسسات المعنية بتنفيذه، وهنا تكمن المعضلة الكبيرة التي بدأت تظهر في السنوات الأخيرة من وجود صف كامل معطل لقرارات الحكومة المتعلقة بالاستثمار، لدرجة ان المُستثمر عندما يفقد الأمل في التعامل مع هذا الصف الذي يلجأ إلى اعلى مسؤول في الدولة لمعالجة قضيته والتدخل عند موظفي الدولة للتغلب على مواقفهم المعرقلة للاستثمار في كثير من الأحيان كما حصل مؤخرا مع مستثمر الدوار السادس الذي أوقف مشروعه قبل أن تتدخل الحكومة لإعادته نتيجة تفسير قرارات الإعفاءات الممنوحة له.
الوقت ليس في صالح الأردن فيما يتعلق بإعادة هَيكلة هيئة الاستثمار، فهناك فرص كثيرة ضائعة على الأردن، الأمر الذي يتطلب من الجهات الحكوميّة ثورة حقيقيّة في العمليّة الاستثماريّة يوظف حالة الاستقرار السياسيّ في المملكة والتعاطف الدوليّ مع الأردن لصالح الاقتصاد الوطنيّ.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى