هيرست: مصر غارقة في لعنة رابعة.. لن تتعافى إلا بجلب الجناة إلى العدالة

#سواليف

نشر موقع “ميدل إيست آي” مقالا للكاتب #ديفيد_هيرست، أشار فيه إلى أن لامبالاة الغرب بمذبحة رابعة قبل عشر سنوات، قد فاقمت سلطوية عبد الفتاح #السيسي، مشددا على أنه عندما يواجه #العدالة_الدولية فإن بإمكان #مصر أن تبدأ في التعافي وإعادة البناء.

وأكد هيرست ، أن السيسي قد أفلس، مشيرا إلى أن معدلات #التضخم في السلع الأساسية آخذة بالارتفاع، وبات ما يقرب من 60 بالمئة من #السكان يصنفون على أنهم #فقراء.

وفقد #الجنيه_المصري 50 بالمئة من قيمته مقابل الدولار في سلسلة من التخفيضات منذ آذار/ مارس 2022.، علماً بأن معدل صرفه مقابل الدولار في عام 2013 كان سبعة جنيهات مصرية مقابل الدولار. أما اليوم فإن كل دولار يعادل 30 جنيها. وطبقا لتوقعات فيتش لعام 2023، فإن مصر تنفق الآن 44 بالمائة من إيراداتها على دفع فوائد الديون، وفي العام المقبل سيرتفع ذلك إلى 54 بالمئة، ما يضعها في المرتبة الثالثة عالمياً فقط بعد سريلانكا والباكستان.

وأوضح هيرست أن التوقعات للأعوام الخمسة المقبلة تشير إلى السرعة التي بها سوف يرتفع دين مصر الوطني، بنسبة 70 بالمئة تقريبا، وبحلول عام 2028 سيكون الدين الوطني قد نما إلى ما يقرب من 510 مليارات دولار، بزيادة قدرها 210 مليارات دولار خلال السنوات الخمس القادمة.

وأكد هيرست، أن المصريين باتوا يدفعون ثمنا باهضا بسبب تصديق السيسي الذي قال مرارا وتكرارا: “صدقوني أنا ولا تصدقوا أحداً غيري”، مشددا على أن نظام السيسي سوف يمضي باعتباره الأكثر شيطانية وانغماسا في الدم في تاريخ مصر، مشيرا إلى أن ” #لعنة_رابعة ” لن ترفع حتى يجلب الجناة إلى العدالة الدولية، وقد يستغرق ذلك وقتا طويلا.

ونوه إلى أن جرائم الحرب في رواندا وكمبوديا ويوغسلافيا السابقة، إضافة إلى الجرائم التي ارتكبت في الحرب العالمية الثانية، هي الأخرى وجدت طريقها إلى المحاكمة بعد عقود، لافتا إلى أن المناخ في مصر يتغير، وبات أنصار السيسي سابقا يتحدون منظومته السلطوية القاسية.

وأضاف أن مصر وهي تغرق سيغرق معها السيسي والجيش، وفي وقت ما في المستقبل، “سوف يبعث من ماتوا في رابعة من قبورهم”، ولربما يلقى السيسي نفس المصير الذي فرضه على كثير من مواطنيه غير المحظوظين.

وتاليا المقال :

في مثل هذا اليوم قبل عشر سنين، وقعت أسوأ #مذبحة في تاريخ مصر الحديث على الهواء مباشرة على مرأى ومسمع من العالم بأسره. قتل ما بين تسعمائة وألف مصري في ذلك اليوم عندما فضت قوات الشرطة والجيش ميدانين في وسط مدينة القاهرة مستخدمة الغاز المسيل للدموع وطلقات النيران الحية.

بحسب ما ورد في تقارير نشرت حينذاك في الصحف المصرية، خططت وزارة الداخلية المصرية لقتل ما بين ثلاثة إلى خمسة أضعاف هذا العدد إذا لزم الأمر.

في تحقيق شامل أجرته منظمة هيومان رايتس ووتش، شبهت المنظمة المذبحة بتلك التي شهدها ميدان تيانانمين، عندما قتلت قوات الحكومة الصينية ما بين أربعمائة إلى ثمانمائة متظاهر (رغم أن بعض التقديرات تصل بأرقام الوفيات إلى عدة آلاف)، وذلك ما بين الثالث والرابع من يونيو (حزيران) من عام 1989، وكذلك مذبحة أنديجان في أذربيجان في عام 2005.


ولكن على النقيض من تلكما المذبحتين، تم التعامل مع فض اعتصام ميدان رابعة واعتصام ميدان النهضة حينذاك – وما زال الوضع على ذلك بعد مرور عشر سنين – بإنكار محلي ولامبالاة دولية.

إلا أن رابعة لم تكن مجرد مذبحة، بل كانت مؤشرا على انتهاء الربيع العربي، تلك الثورة التي استمرت لعامين، وانتشرت كالنار في الهشيم في كل أنحاء العالم العربي، مهددة بالإطاحة بكل حاكم جائر في المنطقة.

كما كان لها تأثير بالغ على الدولة الأكثر سكاناً في المنطقة. تسببت رابعة في تراجع مصر اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً على مدى عشرة أعوام، وهو تراجع لا يوجد ما يشير إلى تعافيها منه.

كما لو كان رياضة متفرجين

لم يبق مصري واحد لم يُمس بسبب ما حصل ذلك اليوم في القاهرة.

قبل عشر سنين، كان فض الاعتصامين في الميدانين حدثاً ذا شعبية، كما لو كان رياضة متفرجين، كان هناك من يشيد ويهلل بما تم فعله. انفرجت الأسارير بينما بدأ المرور ينساب بسهولة وسط القاهرة مروراً بتلك المشرحة.

في الأيام التي سبقت المذبحة، جميع المنظمات السياسية ذات التوجه اليساري، فيما عدا الاشتراكيين الثوريين، أصدروا بياناً يطالبون فيه بسحق الاعتصام الذي نظمه الإسلاميون من أنصار محمد مرسي بعد الإطاحة به.

كانت الحكومة قد وعدت “بفض” الاعتصامات، واتهمها اليسار بالجبن. كان عنوان البيان الصادر عن اليساريين “أين الفض”. وكان لدى الليبراليين العلمانيين نفس الموقف.

الصحفي والناشط حسام الحملاوي، الذي لعب دوراً أساسياً في ثورة 2011، يتذكر جيداً المزاج الذي ساد أوساط اليسار المصري، حيث يقول: “معظم المنظمات ذات التوجه اليساري في مصر اعتبر الإسلاميين فاشيين. فقد وضعوا الإخوان المسلمين والجهاديين المتطرفين في نفس السلة، وكانوا يزعمون بأن العلاقة بين الطرفين إنما هي نوع من تقاسم الأدوار. الأول يكفر والثاني يقتل”.

ويضيف: “لم يكتف اليسار بتأييد مذبحة رابعة، بل وأيد كل القتل الذي جرى بعد الانقلاب. وضعوا ذلك ضمن إطار الحرب على الفاشية. وبعضهم خرج على الناس بمنطق من يرى أن ما جرى هو صراع بين جناحين من الثورة المضادة يقتل بعضهم بعضاً. هذه ليست معركتنا، دعوهم ينهي بعضهم بعضاً”.

ولكن ذلك لم يكن هو الذي حدث. بعد أن قضى العسكر على الإخوان المسلمين، حولوا نيران مدافعهم نحو اليسار، وسرعان ما انتهى اليساريون في نفس الزنازين مع الإخوان. دفع البعض حياتهم ثمناً لدعمهم العسكر، ومازال البعض قابعاً داخل السجون حتى اليوم.

في مقابلة مطولة مع موقع “ميدل إيست آي” من مقر إقامته الجديد في مدينة برلين، قال الحملاوي: “لن يسامحهم التاريخ أبداً. ولا أظن أن أياً منهم أصدر بياناً يعتذر فيه عن موقف إزاء رابعة”.

وأضاف: “والمحزن في الأمر أنهم لو استقبلوا من أمرهم ما استدبروا لكرروا نفس الخطأ”.

إلا أن ذلك لم يوضح كيف تصرف الجميع. ويُذكر للوجه السياسي للانقلاب العسكري، الفائز بجائزة نوبل محمد البرادعي، أنه استقال من منصبه كنائب للرئيس للشؤون الخارجية في نفس اليوم الذي وقعت فيه المذبحة، ولاذ بالفرار من مصر إلى فيينا.

وكان قد قال في خطاب استقالته ما يأتي: “لا يمكنني تحمل المسؤولية عن قطرة دم واحدة أمام الله، وأمام ضميري، وأمام مواطني”، وبسبب ما فعله فإنه اتهم على نطاق واسع بالخيانة.

وأما المصريون في الشوارع، الذين ظنوا أن الجيش سيعيد السلطة لهم بعد أن أنقذ البلاد والعباد من حكم الإسلاميين، فثبت أنهم ارتكبوا خطأ قاتلاً.

سرعان ما جرت دماء رابعة بمصر نحو طريق البوار.


“الناس ساخطون”

كانت تحدث أمور غريبة في عام 2013 قبل الانقلاب العسكري، ولعل ذلك كان تمهيداً للمواجهة التي جاءت من بعد. كانت تحدث انقطاعات غير مفهومة في التيار الكهربائي طوال شهر حزيران/ يونيو في أوج الصيف القائظ. كما عانى الناس من نقص في غاز الطهي المنزلي. واختفت الشرطة من الشوارع، وانتشر في أرجائها اللصوص لا يجدون لهم رادعاً.

نعلم الآن أن هذه الأمور كانت كلها من تدبير المخابرات العسكرية، التي بشرت بقرب انتهاء عهد مرسي.

تمرد، التي وصفت في البداية باعتبارها حركة شعبية تقف من وراء عريضة تطالب بإزاحة مرسي، تبين أنها لم تكن كذلك على الإطلاق. فسرعان ما كشفت تسجيلات صوتية مسربة عن أن قيادة تمرد كانت تمول من قبل حساب بنكي يديره العسكر ويغذى بالمال من قبل الإمارات العربية المتحدة.

ولكن كثيراً من الناس أثناء وبعد رابعة كانوا يعتقدون بأنها صوت معبر عن إرادة الشعب.

في الخامس عشر من آب/ أغسطس، في اليوم التالي للمذبحة، حثت حركة تمرد أتباعها على الحذر من أعمال انتقامية قد يقوم بها الإخوان، وقال مؤسسها والناطق باسمها، محمد بدر: “كما أنكم لبيتم نداءاتنا بالخروج إلى الشوارع يوم الثلاثين من يونيو (حزيران)، نطلب منكم اليوم تلبية نداءاتنا بتشكيل فرق لمراقبة الأحياء غداً، فبلدنا يواجه تهديدات ضخمة”.

بعد مرور عشر سنين، غدت الانقطاعات في الكهرباء ونقص الغاز أثناء موجات الحرارة الصيفية حقيقية وغير مصطنعة. بينما تراوحت درجات الحرارة ما بين أربعين وخمسين درجة مئوية تنقطع الكهرباء لمدد قد تبلغ ست ساعات متواصلة. كما أن إنارة الشوارع والطرقات مقطوعة أيضاً.

في تصريح لموقع “ميدل إيست آي”، قال محمد يونس، الباحث في شؤون الطاقة والذي يتخذ من مصر مقراً له: “الناس ساخطون. وحتى الشخصيات العامة التي كانت محايدة تجاه الحكومة بدأت تنتقد الانقطاع في الكهرباء”.

أصدرت شركة الكهرباء المصرية القابضة بياناً دعت فيه الناس إلى تجنب استخدام المصاعد خشية أن يحتجزوا داخلها بسبب انقطاع التيار الكهربائي.

لقد أفلس عبد الفتاح السيسي البلاد، وهو العسكري الذي قاد الانقلاب ضد مرسي في عام 2013 وما زال يرأس مصر منذ 2014.

بلغ معدل التضخم في أسعار المأكولات 60 بالمائة، وبات ما يقرب من 60 بالمائة من السكان اليوم يصنفون على أنهم فقراء. وفقد الجنيه المصري 50 بالمائة من قيمته مقابل الدولار في سلسلة من التخفيضات منذ مارس (آذار) 2022، علماً بأن معدل صرفه مقابل الدولار في عام 2013 كان سبعة جنيهات مصرية مقابل الدولار. أما اليوم فإن كل دولار يعادل 30 جنيهاً.

طبقاً لتوقعات فيتش لعام 2023، تنفق مصر الآن 44 بالمائة من إيراداتها على دفع فوائد الديون، وفي العام المقبل سيرتفع ذلك إلى 54 بالمائة، ما يضعها في المرتبة الثالثة عالمياً فقط بعد سريلانكا والباكستان.

وتشير التوقعات للأعوام الخمسة القادمة إلى السرعة التي بها سوف يرتفع دين مصر الوطني، فما بين عام 2023 وعام 2028، يتوقع أن يرتفع بما نسبته 70 بالمائة تقريباً.

وبحلول عام 2028 سيكون الدين الوطني قد نما إلى ما يقرب من 510 مليارات دولار، بزيادة قدرها 210 مليارات دولار خلال السنين الخمس القادمة.

عندما نُصب رئيساً خاطب السيسي المصريين قائلاً لهم مراراً وتكراراً: “صدقوني أنا ولا تصدقوا أحداً غيري”. ولقد صدقوه إلى حين وآمنوا به، وها هم الآن يدفعون ثمناً باهظاً مقابل ذلك.

زيادة كبيرة في الهجرة

تصدر مصر الآن بؤسها البشري إلى ما حول المتوسط. تتضمن الزيادة الكبيرة في الهجرة إلى إيطاليا حالياً عدداً كبيراً من المصريين الذين يعدون الآن واحداً من كل خمسة مهاجرين تطأ أقدامهم سواحلها.

طبقاً لما ورد في البيانات الصادرة عن فرونتيكس، وكالة الحدود الأوروبية، كان المصريون الجنسية الأكثر شيوعاً في الطريق المركزي عبر المتوسط إلى أوروبا خلال الشهور الخمسة الأولى من عام 2022. وأكدت هذه المعلومة المنظمة الدولية للهجرة، التي أحصت ما يقرب من 22 ألف مهاجر مصري وصلوا إلى أوروبا في العام الماضي.

وفي العام الماضي، تجاوز المهاجرون من مصر المهاجرين غير الشرعيين من كل بلد آخر، بما في ذلك أولئك الذين جاءوا من أفغانستان ومن سوريا.

وهذا يضع بلدان الخليج التي مولت الانقلاب قبل عشر سنين في وضع صعب جداً. بادئ ذي بدء، لقد تصدع التحالف الذي سحق الربيع العربي بكفاءة عالية.

إذا كان محمد بن سلمان قلقاً من أن الحرب الأهلية التي تدور رحاها في السودان قد تؤثر على الشطر الغربي من مملكته، حيث يتم تنفيذ كل مشاريع إنشاءاته المستقبلية وحيث يضخ جل استثماراته، فلا بد أنه أشد قلقاً من الآثار التي سوف تترتب على الانهيار المحتمل للدولة المصرية.

لقد غدت مصر لعنة على المملكة العربية السعودية، بدلاً من أن تكون منقذها من الخطر الإسلاموي المحدق بها.

تهديد الأمن الأوروبي

لا يصرح الأوروبيون علانية بذلك، ولكن مصر غدت بشكل متسارع مصدر تهديد لأمن أوروبا ولأمن حدودها الجنوبية. ولا تلومن أوروبا عل ذلك إلا نفسها.

فهي، ومعها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري، فعلوا أكثر من مجرد غض البصر أثناء الانقلاب العسكري ثم أثناء مذبحة رابعة – بل وقاموا بمساندة الحكومة العسكرية بفعالية من خلال رفض تسمية ما حدث بالانقلاب ومن خلال إسقاط أي ذكر لمرسي.

وبعد أن وضعوا الانقلاب في إطار ثورة شعبية لم يكن بإمكانهم عمل شيء بعد ذلك سوى الإشاحة بوجوههم وغض الطرف أثناء ارتكاب مذبحة رابعة. صحيح أن المذبحة نجم عنها توقيف مؤقت لبعض المساعدات العسكرية الأمريكية، إلا أن ذلك لم يتجاوز صفعة غير مؤلمة على معصم السيسي.

عندما حدثت مذبحة رابعة، هز الرئيس باراك أوباما كتفيه وعاد ليستأنف لعبة الغولف. ولكن على النقيض مما هو حاصل في حالة النيجر اليوم، فهم السيسي الرسالة التي كانت تصله من المجتمع الدولي بأنها تعني بكل وضوح “امض إلى قدماً”.

بعض مما كان يدور في الأذهان في وقت الانقلاب ومذبحة رابعة يمكن استخلاصه من مذكرات كاثرين آشتون حول فترة عملها مندوبة سامية للعلاقات الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، والتي صدرت تحت عنوان “ثم ماذا بعد؟ حكايات من داخل العمل الدبلوماسي في القرن الحادي والعشرين”.

كانت آشتون واحدة من أواخر الناس الذين رأوا مرسي حياً داخل السجن. تصف في مذكراتها رحلتها الجوية الليلية على متن مروحية مصرية من طراز بلاك هوك إلى الإسكندرية ثم الانتقال براً في سيارة تويوتا كورولا بالية إلى قاعدة مصرية، كما لو كانت في مشهد سينمائي في واحد من أفلام هوليوود.

قالت لمرسي مراراً وتكراراً إنه لا مجال لعودته إلى الرئاسة، ولا حتى من أجل تقديم استقالته، وإن عليه أن يقبل بالانقلاب.

وعن ذلك كتبت تقول: “أصبح متهيجاً، فقد كان الرئيس المنتخب حسب الأصول، وطالما أن الدستور لم يعلق قبل عزله، فلا ريب أن ما وقع هو انقلاب. سردت القائمة الطويلة للقيادات التي تحالفت ودعمت عزله وقلت له إنه يحتاج لأن يقبل بالواقع الجديد من أجل مصلحة مصر. فما كان منه إلا أن رفض هذا الكلام واعتبره سخيفاً”.

وأضافت: “قال إنه يشعر بحزن شديد لأن ما يزيد عن مائتي شخص قتلوا منذ مغادرته وقال إنه ينبغي أن يسمح له بالتحدث مع حزبه”.

ومضت تقول: “حثني على الحديث مع الجميع والخروج بمقترح يكون مقبولاً لدي كل الأطراف. لكني عارضته وذكرته بأن البلد لم يعد لديه الكثير من الوقت – وأنه كرئيس لم يعد لديه الكثير من الوقت. فالوضع غدا الآن معقداً، وليس جلياً”.

وأضافت: “ما يمكننا أن نتفق عليه جميعاً هو محاولة إيجاد سبيل لوضع حد لمزيد من الوفيات على المدى القصير ومساعدة الديمقراطية على الازدهار في المستقبل. قلت له: أنا حريصة على المساعدة، ولكني لن أتدخل. ينبغي أن يكون الحل مصرياً”.

ثم كتبت تقول: “ولكنه مع ذلك ظل لا يستوعب أنه لا توجد رجعة. فالتحالف الذي أطاح به مثل جزءاً ضخماً من المجتمع المصري. وهو بالنسبة لكثير جداً من الناس إما أنه أقصاهم أو أخفق في نظرهم، ولذلك فهم لا يرحبون بعودته، فيما عدا أتباعه الأشد حماسة له”.

هذا الوصف لآخر لقاء بينهما يمثل تخليا مذهلا عن المبادئ التي تزعم آشتون وأوروبا أنها تمثلها. بعد أسبوعين فقط وقعت رابعة.

الولاء للغباء

لم يحل سفك الدماء دون أن تكون لآشتون علاقات حميمية مع السيسي. ومع عدم إدراكها، حتى هذا اليوم، فظاعة ما خطته بقلمها من كلمات، تجدها تصف جريمة القتل الجماعية هذه بلغة “الجنرال المتفلسف”.

لم يصدر عن آشتون إزاء رابعة سوى ألطف عبارات التوبيخ، حيث طالبت “جميع الأطراف بوضع حد للعنف… وإبقاء الباب مفتوحاً أمام العملية السياسية التي من شأنها أن تعود بمصر إلى طريق الديمقراطية وأن تداوي الجراح التي أصيب بها المجتمع المصري”.

إذا كان هناك من يرغب في فهم سقوط أوروبا وقلة ما تبقى من سلطان معنوي لها حول العالم، وخاصة في الجوار المحيط بها، فلا بد من قراءة كتاب آشتون.

حتى هذا اليوم، تغمر الكاتبة السعادة بما وقع من كوارث على مرأى ومسمع منها في أوكرانيا وفي مصر وفي غيرهما. إن من الصعوبة بمكان التغلب على مثل هذا الولاء للغباء.

ومقابل ذلك سوف تتكبد أوروبا الثمن إضافة إلى الرجال المصريين الذين يحتشدون في القوارب.

لقد ولى كبار مهندسي رابعة. فبعد بضع سنوات فصل محمود حجازي، رئيس الاستخبارات العسكرية، من منصبه، أما صدقي صبحي، الذي شغل منصب رئيس هيئة الأركان ووزير الدفاع بعد أن أصبح السيسي رئيساً، فطرد في عام 2018.

وأما حازم الببلاوي، الذي كان حينذاك يشغل منصب رئيس الوزراء، فأجبر على الاستقالة هو وطاقمه الوزاري بعد ستة شهور. وأما محمد إبراهيم، وزير داخلية مصر سيئ الصيت، الذي أمر الشرطة بإطلاق النار من الأسلحة الآلية على الجموع، فاستُبقي لثمانية عشر شهراً ثم فصل من منصبه.

وما تبقى هو دولة أمنية متأهبة للانقضاض على أي تمرد مدني وسحقه بمجرد ظهور مؤشرات عليه. ولذلك، لم يعد مصطلح الثورة المضادة هو التعبير الصحيح عن ما هو حادث.

مصر السيسي ليست انبعاثاً جديداً لمصر حسني مبارك. بل هي كائن جديد، أشد فتكاً، أوجده ضباط الجيش الذين ينتقدون أسلافهم بأنهم كانوا متساهلين جداً.

سلطوية قاسية

سوف يمضي هذا النظام باعتباره الأكثر شيطانية وانغماساً في الدم في تاريخ مصر. وتلك هي لعنة رابعة التي لن ترفع حتى يجلب الجناة الذين ارتكبوا رابعة إلى العدالة الدولية. قد يستغرق ذلك وقتاً طويلاً، ولكن جرائم الحرب في رواندا وكمبوديا ويوغسلافيا السابقة، إضافة إلى الجرائم التي ارتكبت في الحرب العالمية الثانية، هي الأخرى وجدت طريقها إلى المحاكمة بعد عقود.

ها هو المناخ في مصر يتغير، وإذ يدركون أنهم هم أيضاً مستهدفون، فها هي أعداد متزايدة من أنصار السيسي يتحدون منظومته السلطوية القاسية.

وإذ تغرق مصر، يغرق معها السيسي والجيش. وكما كان الحال مع مرسي، فلا رجعة للسيسي.

في وقت ما في المستقبل، سوف يُبعث من ماتوا في رابعة من قبورهم. ولربما لقي السيسي، أخيراً، نفس المصير الذي فرضه على كثير من مواطنيه غير المحظوظين – مصير يستحقه السيسي عن جدارة.

المصدر
عربي 21
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى