هل نال اللجوء نصيبه من الدراسة؟؟
دعونا نغوص في بحر ما جاء على لسان د.محمد المومني الناطق الرسمي بخصوص اللاجئين السوريين مؤخرا حين قال من يريد ممارسة الضغط علينا فليأخذ اللاجئين إلى بلده وسننقلهم بطائراتنا. كما قال معاليه أن ما يهمنا هو أمن الوطن والمواطن وهو يشير لعدم اقامة مخيمات للاجئين.
كلام جميل إذا أخذناه بمعزل عن الواقع والانعكاسات السلبية على الأمن والأمن الغذائي والتركيبة الديمغرافية والناحية الإجتماعية والإقتصادية. يبدو لنا بعد أن أهملت الدولة هذه الإنعكاسات التي كان يدركها الأطفال ويعي مخاطرها كل أردني غيور منذ البداية، تصحو الدولة بعد غفوة طويلة على ما خلفه إهمالها وتغاضيها عن النتائج السلبية لمثل هذا النهج وهذه السياسة. وربما دافع الصحوة ليس ذاتيا وليس نابعا من الحرص على الشعب بقدر ما هو نوع من التوجس من تحول عدم رضى الشعب إلى سخط يقود لحراك يقلقها ويشغلها بوقت هي أحوج ما تكون به للتهدئة والتناغم مع الشعب.
فلو كانت هناك دراسة مستفيضة لتبعات اللجوء الذي فاق قدرات الأردن وكانت الإرادة السياسية متوفرة ومقرونة بإرادة الشعب ومتوافقة معها، لما وصل بنا الحال مع اللاجئين إلى ما وصل إليه. وكلام الناطق الرسمي تفوح منه رائحة التذمر والضجر والشعور بالعبء الكبير الذي ألقاه القرار الإرتجالي الذي أفضى بمخرجاته لصالح أمريكا ودول التحالف. ويمكن اعتبار هذا الصراخ من قبل الناطق الرسمي بمثابة اعتراف رسمي غير مباشر بفداحة التورط بشأن تمت إدارته بأسلوب لم يأخذ الواقع الأردني بالإعتبار والسبب يعود لانعدام حضور المواطن بذهنية أعضاء الإدارة.
فالمنظمات والدول التي تضغط على الأردن تفترض أن يقوم الأردن بما يتوجب عليه طالما قبل بإدخال هذا العدد الكبير جدا من اللاجئين، وهو أمر طبيعي أن تحث هذه المنظمات وتذكر الأردن بما يجب عليها القيام به ضمن ما قبلنا به وتعهدنا بأدائه. وهنا لا ننكر ما تقدمه الدولة للاجئين من حماية ورعاية وتنظيم ليعيشوا حياة كريمة نوعا ما وهي في الواقع لا تعوضهم عن العيش في وطنهم.
هل نعتبر كلام د.المومني تصوير لواقع ضجرت منه الدولة؟؟ أم نعتبره صرخة تحاول إيصال رسالة للدول والجهات المعنية والمهتمة لتتفهم الواقع الأردني وتقوم بواجبها إذا عتبرنا أن اللجوء شأن دولي وليس أردنيا بحتا؟؟ في الحالتين أو الإجابتين على السؤالين، نجد أن التخطيط واستشراف التبعات قد غابا عن صناع القرار في الدولة أو أن التسرع كان سيد الموقف.
ويشير د. المومني لأهمية أمن المواطن والوطن وهو قول ندعمه ونباركه والأمن محقق بفضل الله ثم الشعب الواعي وأبناء الحراثين الساهرين من جيش ومخابرات وشرطة ودرك، إذ لا ننسى أن المواطن الأردني بغيرته المعهودة يردف رجال الأمن. لكن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هو: ألم تدرك الدوله ومن وافقوا على اللجوء أن الأردن بإمكانياته التي لا تكاد تغطي احتياجات شعبه لن يتأثر سلبا؟؟
إذا غاب هذا الإدراك فذلك يعني وجود خلل كبير مفاده أن الوطن والمواطن لا أولوية لهما بسياسة الدولة لأن المواطن هوالذي يرزح تحت نير مثل هكذا قرارات وليس متخذ القرار ولا الحكومة ولا الطبقة المترفة. وهذا يندرج تحت مسمى الخيانة أو التقاعس والتراخي والتقصير بحق الشعب والوطن وهي جرائم يستحق مرتكبها أقصى عقوبة لو كانت هناك آلية من خلالها يحاسب المسيء. وهذا الأمر يقودنا للإقرار بأن الذهنية الصانعة للقرار تخلو تماما من التفكير بصالح المواطن. وأجزم لو أنها كانت عكس ذلك لتجنبنا الكثير من الهموم والعقبات.
أما بحال أن الدولة كانت تدرك نوع المخرجات والتأثير السلبي الكبير على المواطن وقفزت عنها، فذلك يعني المكابرة والعمل ضد المواطن والبحث عن دور لسنا بحاجته. فها نحن نرى الأمن اليوم غير الأمن قبل اللجوء، والأسعار اليوم غير الأسعار قبل اللجوء، وفرص العمل اليوم غير الفرص قبل اللجوء والحياة الإجتماعية اخترقتها عادات وأنماط لا تتوافق مع النسيج الأردني. والدولة نفسها أدركت أخيرا مدى خطورة ذلك بعدما سببت لنا صداعا مزعجا وأوهمتنا بالخير الوفير الذي سيعود علينا بعد مؤتمر لندن للدول المانحة. لكنه تبين أن الأمر ينحصر باللاجئين وإن طال المواطن فلا يطوله سوى الفتات.
واللجوء أصابنا بمقتل لأننا لسنا تركيا ذات الإمكانيات الضخمة والحضور السياسي والإمتداد الجغرافي الشاسع وحجم السكان الكبير الذي يمكنه صهر وإذابة الملايين من اللاجئين. يشكل السوريون حسب احصاءات الدولة ما يزيد على 20% من السكان. وإعلان هذه النسبة المخيفة ليس المقصود منها لإطلاع الشعب على الحقائق، بل جاء القصد منها على خلفية إشعار الدول المانحة بثقل المسؤولية إذ هي دول تؤمن بلغة الأرقام والدراسات واستخلاص النتائج ودراسة الجدوى وهي أدوات نفتقر لها لأن من يصنعون القرارات همهم دائرتهم وملحقاتهم والمواطن له الله.
ومن مخرجات اللجوء اللا محسوب العواقب قبولنا باتفاقيات تقترب من الإملاءات تلبي مطالب غيرنا ولا تلبي مطالبنا. لقد كان الأولى تحصين الجبهة الداخلية ورعاية الشباب بطريقة تمنعهم من الإنخراط في داعش أو تأييده أو الإستعداد للإنجراف، إذ داعش يسير جنبا إلى جنب مع اللجوء وتداعيات الأزمة السورية. وبذلك نبني سدا منيعا لا يستطيع داعش اختراقه. لذلك، الإمعان بالخطأ سيؤدي إلى خطإٍ أكبر.
نسمع خطاب الدولة نحو المواطن فيملأ نفسك حبورا وبهجة وعندما نرى التطبيق والممارسة، نراهما متباينان. فماذا يعني ذلك؟؟ أليس استخفافا واستحمارا واستبقارا لعقول واعية تقرأ ما بين السطور ومن أكثر الشعوب تعليما؟؟ لقد أكسبتهم تجربتهم مع الحكومات المتعددة وذات متوسط العمر عشرة أشهر أن الصدق منعدم والنزاهة غائبة والرقابة ميتة والمحاسبة للضعيف والإنتصار للغني والقوي. ولا يفوتنا استثناء حكومتي المرحوم وصفي التل والشريف عبدالحميد شرف. لقد كانا يحملان هم المواطن كما تحمل الأم الحنون رضيعها. أما اليوم نرى الرؤساء بلا نكهة ونتشاءم عند رؤيتهم على التلفاز لكثرة خطاياهم وانعدام مصداقيتهم.
خلاصة القول ، لو توفرت دراسة وافية لتبعات اللجوء لما ضجرت الدولة كما هو حالها اليوم وكما اتضح من ردود د. المومني ولما اشتكى الشعب ولما وصلنا لحال نرى به اللاجئين عبئا على الوطن.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com