هل سنرى قريباً حلفا مصرياً- سورياً – عراقياً لمحاربة الإرهاب!؟
هشام الهبيشان
إن ما جرى من أحداث مؤلمة في مدن مصرية عدة في الآونة الأخيرة يؤكد أنّ ما جرى بها هو نموذج وشاهد حي على ما جرى في سورية والعراق، وهو بالتأكيد حدث ليس بعابر بل هو تجربة مكرّرة على غرار ما يجري ويستهدف سورية والعراق وليبيا اليوم، فقد انطلقت أخيراً ومن جديد حرب استنزاف جديدة تستهدف مصر الدولة وبكلّ أركانها، ومع ظهور علامات ومؤشرات واضحة على مؤامرة واضحة تسعى إلى إسقاط مصر في جحيم الفوضى، وذلك من خلال إسقاط مفاهيم الفوضى بكل تجلياتها المأساوية على الحالة المصرية كاستنساخ عن التجربة العراقية – السورية، لتكون هي النواة الأولى لإسقاط مصر في جحيم هذه الفوضى، وهنا لنعترف جميعاً بأن استراتيجية الحرب التي تنتهجها بعض القوى الدولية والإقليمية على الدولة المصرية ومن خلف الكواليس بدأت تفرض واقعاً جديداً وإيقاعاً جديداً لطريقة عملها ومخطط سيرها، فلا مجال هنا للحديث عن الحلول السياسية للأزمة المصرية، فما يجري الآن على الأرض المصرية ما هو إلا حرب استنزاف لمصر ودور مصر في المنطقة، وقوة مصر ومكانتها العسكرية والإقليمية، وتضارب مصالحها القومية مع تحالف التآمر على مصر.
اليوم هناك حقائق موثقة في هذه المرحلة تحديداً تقول إنّ الدولة المصرية بكلّ أركانها تعصف بها عاصفة استعمارية هوجاء، وهذه الحقائق نفسها تقول إنّ هناك اليوم الالاف من المسلحين بين إرهابي مصري وغربي وشرق آسيوي وشمال أفريقي ومن نجد والحجاز وغيرها من البلدان والمنظمات المتطرفة، يقاتلون بشكل كيانات مستقلة «داعش – أنصار بيت المقدس»، داخل مصر في سيناء وما حولها وفي بعض الدول العربية وشمال أفريقيا في ليبيا وتشاد وغيرها، وهؤلاء بمجموعهم هدفهم الأول والأخير هو مصر، وما حوادث سيناء الأخيرة وغيرها، إلا رسالة أولى من هذه المجاميع المتطرفة، المدعومة صهيونياً وغربياً ومن بعض المتأسلمين إلى مصر بأنهم قادرون على إيذائها، وأن حرب مصر مع هؤلاء هي حرب طويلة ولن تقف عند حدود سيناء ولن تنتهي عند حدود ليبيا وتشاد.
هذه الحقائق نفسها تقول إنّ هناك ما بين 9 إلى 12 ألف مسلح مصري يقاتلون الجيش العربي المصري، وهؤلاء بمعظمهم هم عبارة عن أدوات في أيدي أجهزة استخبارات الدول الشريكة في هذه الحرب «الخفية» على الدولة المصرية التي تديرها أيد خفية، فأدوات الحرب المذكورة كادت أن تنجح في إسقاط الدولة المصرية في الفوضى العارمة، لولا يقظة هذه الدولة منذ اللحظة الأولى لانطلاق الحرب «الخفية» والمعلنة في آن معاً، فقد أدركت الدولة المصرية حجم الخطورة المتولدة عن هذه الحرب مبكراً، وتحديداً منذ مطلع النصف الثاني من عام 2013، وتنبّهت لخطورة ما هو آت وبدأت العمل مبكراً على نهج محاربة الإرهاب، ولكن للأسف منذ تلك الفترة وإلى الآن برزت إلى الواجهة فئات من أبناء الشعب المصري المسيّسين استغلت هذا الظرف الصعب من عمر الدولة المصرية، والتقت أهدافهم وحقدهم وكراهيتهم مع أهداف وحقد وكراهية أعداء مصر، سعياً إلى تدميرها وتخريبها ونشر فكر الإرهاب والقتل والتدمير بالداخل المصري.
ومع مضيّ ما يزيد على ستة أعوام منذ انطلاق ثورة 25 كانون الثاني عام 2011، وبغض النظر عن نتائج هذه الثورة ومن الذي قطف ثمارها، فاليوم على كلّ مصري أن يعترف بأنّ هناك قوى ما تسعى لتعميم نهج من التدمير الممنهج والخراب والقتل المتنقل بالداخل المصري، والهدف هو تعطيل حركة تصاعد قوة الدولة المصرية، ومع هذا فقد صمدت مصر الوطن والإنسان، ومع استمرار فصول الصمود المصري أمام موجات الإرهاب المسلح في سيناء، ومنعه من التموضع والتمدد داخل مصر، بالتزامن مع انكسار معظم موجات الزحف المسلح باتجاه مصر على مشارف حدود مصر مع بعض دول الجوار العربي، ومع عجز الدول الشريكة في الحرب عن إحراز أي اختراق يهيّئ لإسقاط الدولة المصرية في أتون الفوضى كاستنساخ للحالة العراقية -السورية – الليبية، وهذا بدوره ما دفع الدول الشريكة في الحرب ومن خلف الكواليس إلى الانتقال إلى حرب الاستنزاف التي باتت اليوم تستهدف الجيش العربي المصري.
ومع استمرار انتفاضة الجيش العربي المصري الأخيرة في وجه كلّ البؤر المسلحة بسيناء وما حولها وتوقعات بتوسع عمليات الجيش إلى خارج الحدود المصرية، ستشكل هذه الانتفاضة حالة واسعة من الإحباط والتذمر عند الشركاء في هذه الحرب الخفية المعلنة على الدولة المصرية، ما سيخلط أوراق وحسابات شركاء الحرب على مصر الدولة لحجم وطبيعة حربهم على مصر، وهذا شيء جيد بالنسبة للمصريين، ولكن بذات الإطار لا يمكن إنكار أن المصريين لا يمكنهم لوحدهم أن يحاربوا هذه المجاميع المسلحة المتطرفة، فهذه المجاميع تديرها من خلف الكواليس أيد خفية، ونفس هذه الأيدي هي من تحرك نفس هذه المجاميع المسلحة في سورية والعراق، وإنْ اختلفت مسمّياتها، ومن باب أنّ حرب هذه المجاميع المسلحة ومن يحرّكها تستهدف الجميع بهذه المنطقة، فعلى المصريين اليوم أن يبادروا إلى بناء شراكة فعلية مع الدولتين السورية والعراقية، للخروج بإطار عامّ يتمّ من خلاله تنسيق الجهود الأمنية والسياسية لهذا المحور العربي لمكافحة تمدّد هذه المجاميع المسلحة وقطع أيدي من يحرّكها ويموّلها ويدعمها.
ومن هنا نستطيع أن نقرأ أنه إن تمّ هذا التحالف بين مصر وسورية والعراق، في هذه الحرب على قوى التطرف ومن يحركها والتي تستهدف مصر وسورية والعراق، وخصوصاً مع تبدّل أدوار شركاء هذه الحرب وخططها المرسومة بعد انهيار الكثير من خططها أمام الصمود السوري والمصري والعراقي، وآخر هذه الخطط والتي ما زالت إلى الآن تعمل بفعالية نوعاً ما في مصر وسورية والعراق وهي «حرب الاستنزاف»، ومن هنا إنْ استطاعت دمشق والقاهرة وبغداد بناء مسار ونهج تنسيقي في ما بينها، فإنها ستصمد بقوة كما صمدت أمام خطط سابقة كانت تستهدفها.
ختاماً، على المصريين كما السوريين والعراقيين أن يتيقنوا من أن حربهم على التطرف فرادى لن تعطي نتيجة ملموسة في المدى المتوسط ، ومن هذا الباب وجب على هذه الدول وانسجاماً مع هذه المرحلة الحرجة التي تعيشها الأمة كل الأمة، أن تتضافر جهودها لبناء إطار واحد وشامل مبني على أسس واضحة المعالم وبتنسيق علني لمحاربة هذه التنظيمات المتطرفة وقطع الأيدي التي تحركها، فمن دون ذلك وللأسف ستبقى هذه الدول وغيرها في المنطقة تعاني من تمدّد هذه الجماعات وستبقى تدور في حلقة دموية مغلقة إلى أمد طويل، ما يساهم بتحقيق مصالح من يدير ويدعم هذه الجماعات، فهل سنرى قريباً حلفا مصرياً سورياً – عراقياً لمحاربة الإرهاب؟ الإجابة على هذا التساؤل عند صناع القرار في القاهرة ودمشق وبغداد، فالمرحلة خطيرة وهؤلاء جميعاً هم أمام هذا التحدي في هذه المرحلة التاريخية الخطيرة من عمر الأمة.
*كاتب وناشط سياسي – الأردن.
hesham.habeshan@yahoo.com