هل تنجح التقنيات الحديثة في الوصول الى كنوز البتراء المدفونة ..؟

سواليف
اكتشف العلماء مَعْلَمَاً أثرياً مدفوناً تحت رمال مدينة البتراء الأردنية باستخدام مسح عبر القمر الصناعي.

تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، الخميس 9 يونيو/حزيران 2016، ذكر أن صور القمر الصناعي كشفت وجود منصة مسطحة ضخمة بطول 56 متراً وعرض 49 متراً، داخلها ساحة مرصوفة بأحجار لوحية وتحدّها الأعمدة من جانب واحد فيما درج ضخم ينحدر نحو الجهة الشرقية.

كذلك وجد هيكل أصغر أبعاده 8.5x 8.5 متر، موجود فوق ساحة المنصة الداخلية وبابه يفتح باتجاه الدرج؛ كما وجدت بجانب هذا الهيكل أوانٍ فخارية تشير إلى أن عمر الهيكل قد يناهز 2150 عاماً.

وكتب الباحثون الأثريون “لا مثيل لهذه المنصة لا في البتراء نفسها ولا في مناطقها النائية حالياً” مشيرين إلى أن المبنى رغم وقوعه قرب مركز مدينة البتراء، إلا أن الغريب كونه “مخفياً” ويصعب الوصول إليه.

ويقول عالم الآثار كريستوفر تاتل، الذي عمل 15 عاماً في البتراء وشارك في كتابة البحث، “على حد علمي لا يوجد مثيل لهذا في مدينة البتراء. كنت موقناً أنا وغيري من الزملاء ممن عملوا في البتراء على مدى الـ100 عام الماضية على أقل تقدير بوجود شيء ما، وأعلم أن أحد الزملاء على الأقل لاحظ وجود شيء ما هناك”. وأشار تاتل إلى أن أطراف الهيكل تشبه جدران الشرفات التي تميز المدينة عموماً، بيد أنه قال “لا أظن أحداً انتبه كثيراً لها”.

وقد تعاون تاتل في البحث مع سارة باركاك التي تصف نفسها بأنها “عالمة آثار فضائية” من جامعة آلاباما في برمنغهام الأميركية، والتي استخدمت صور القمر الصناعي لإجراء مسح للمنطقة.

تقول باركاك إنها عادة ما تبدأ أي مسح “بكثير من الشكوك” تساورها حول ما سيجدونه في أي موقع يتم العمل فيه، فقد أجريت أبحاث بالقمر الصناعي في شمال أفريقيا وأميركا الشمالية وأوروبا وغيرها، وكم كانت دهشتها عارمة حينما وجدت أن الهيكل المكتشف “اتضح أنه اكتشاف مهم”.

وتتابع باركاك “البتراء موقع أثري ضخم، وقد أطلقنا على المبنى المكتشف اسم “المختبئ على مرأى الكل” تحديداً لأنه رغم وقوعه على بعد أقل من كيلومتر واحد جنوب مركز المدينة، إلا أن جميع أعمال المسح السابقة لم تكشفه”.

بعدما كشفته صور القمر الصناعي هرع تاتل وفريق من الزملاء إلى موقع الاكتشاف لقياس أبعاده وإلقاء نظرة فاحصة عليه من مكانه، فاكتشفوا الأواني الفخارية المتناثرة التي تشير أقدمها إلى أن عمر الهيكل قد يرجع إلى زمن تأسيس مدينة البتراء نفسها.

يقول تاتل “إننا دوماً نتحلى بالحذر في مواضيع كهذه، لكن يمكن تقدير عمرأقدم آنية فخارية بشكل نسبي وأكيد إلى العام 150 قبل الميلاد”.

وقد كان النبطيون قد بنوا مدينة البتراء في منطقة جنوب الأردن حالياً بعدما اجتمعت لهم ثروة من التجارة مع الإغريق والفرس حوالي عام 150 قبل الميلاد. فيما بعد سيطر الرومان والبيزنطيون والعثمانيون على المدينة، وتبقى آثارها شاهدة على من بنوها وأسسوها من النبطيين الذين نحتوا أوجه الصخر وشكلوا منه منحدرات وودياناً. وفي القرن السابع بعد الميلاد هجرت المدينة ونسيت، لكن المكتشف السويسري يوهان بوركهارت اكتشفها من جديد عام 1812.

وإلى جانب الأواني الفخارية النبطية الأقدم عمراً وجد الباحثون كذلك شظايا أوانٍ أخرى مستوردة من الثقافات الهيلينية التي ربطتها التجارة بالبتراء، فضلاً عن قطع فخارية أخرى يرجع زمنها إلى عصور الإمبراطوريتين الرومانية والبيزنطية حينما سيطرتا على المدينة وحكمتاها.

وفي جبال البتراء ووديانها ومضائقها “توجد الكثير من مقامات الطقوس الدينية ومنصاتها وما إلى ذلك، لكن أحداً منها ليس بهذه المواصفات والأبعاد” وأضاف أيضاً أن هذه المواقع وموقع “الدير” المعروف بكونه ساحة رحبة مفتوحة، قد تكون جميعها الأقرب شكلاً إلى الواجهة الجديدة المكتشفة، وقال إن تلك المباني على الأرجح “استخدمت لشتى مراسم الطقوس والأنشطة السياسية”، لكنه مع ذلك استدرك قائلاً “لكي أكون صريحاً لا ندري الشيء الكثير عن هذا”.

جميع تلك المواقع تشير إلى أن المبنى نفسه كان يستخدم “وسيلة للاستعراضات الضخمة” كما قال تاتل. لكن المبنى الجديد على عكس جميع المباني الأخرى لا يفضي درجه نحو مركز مدينة البتراء، ما يميز المبنى في ناظر تاتل ويضفي عليه سحراً خاصاً.

وأضاف تاتل “لا نفهم الغاية من المقامات الواضحة للعيان لأن النبطيين لم يتركوا لنا مخطوطات مكتوبة تخبرنا، لكني أستغرب غياب علاقة واضحة بين معلمٍ ضخم كهذا وبين المدينة.”

ولا توضح المقامات الدينية النبطية في البتراء وما حولها أي دليل واضح حول معتقداتهم الدينية، فمثل كثير من الثقافات الساميّة آنذاك استخدم النبطيون أسلوباً غير مباشر في تصوير آلهتهم من دون رموز بشرية أو حيوانية، فاستخدموا الألواح المنقوشة والشواهد القائمة والمحاريب، فمثلاً يقول تاتل “أحياناً تجد محراباً فارغاً ليس سوى تجويف في الجدار، فيرمز الفضاء فيه إلى الآلهة، أو لعلهم كانوا يحتفظون داخله بصور قابلة للنقل”.

لكن نظراً لأن التجارة ربطتهم بصورة دائمة بغيرهم من ثقافات البحر الأبيض المتوسط فقد تبنى النبطيون الرموز الهيكلية “فرمز النبطيون لآلهتهم بهياكل توازي زيوس أو هيرميس أو أفروديت وما إلى ذلك”.

وقد نشر العلماء بحثهم في مجلة الجامعات الأميركية المهتمة بالأبحاث الشرقية Bulletin of the American Schools of Oriental Research وقالوا إنه رغم عدم نيتهم حالياً حفر الموقع إلا أنهم يأملون أن يحظوا بفرصة جديدة للعمل هناك مستقبلاً.

وقالت باركاك أنها تتوقع “اكتشافات مذهلة على مدار العام المقبل” باستخدام الأقمار الصناعية والتقنيات الجديدة المعقدة في جنوب شرق آسيا “وفي المناطق ذات الغابات الكثيفة”، فعلى سبيل المثال اكتشفت تقنية مسح جديدة تشمى ليدار Lidar مواقع أثرية في الغابات النائية في أميركا الوسطى.

وختمت باركاك قائلة “إن هذه التقنية لا تتعلق فحسب بما تكتشفه، بل بكيفية التفكير بأمور كأنماط استقرار البشر والتفاعل بين البشر وبيئتهم قديماً بشكل عام. ما الذي يحدث إن تمكنت فعلاً من تحديد موقع واجهة ومعالم مبنى كامل مدفون تحت الأرض؟ إنه أمر مثير، لكن علينا أيضاً أن نتفكر بالمعاني الآتية من حيازتنا لكل هذه التقنيات في أيدينا وتحت أمرنا، إذا يجب علينا استخدام هذه التقنيات بحسٍ من المسؤولية”.

هافنغتون بوست

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى