هل تجعلنا التكنولوجيا أكثر ذكاء؟

سواليف – حبانا الله سبحانه وتعالى بقدرات ذهنية غير عادية، وصدق الله عز وجل إذ يقول:» لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم»..فلماذا لا نشكر نعمة الله علينا ونستغل هذه القدرات بصورة أكبر لا سيما وأن التقدم المذهل الذي نراه اليوم في ثورة المعرفة والمعلومات يجعل الحاجة لقدرات عقلية مميزة أمراً لا مفر منه.

وقد يراودك الظن أن انتهاء تعليمك الجامعي يعني نهاية الدراسة والتعلموالحقيقة غير ذلك تماماً، حيث يتعين عليك بعد نيل شهادة التخرج التعلم بما يوازي عشرة أضعاف ما درسته في الجامعة. ويمكن لأي شخص بسهولة مضاعفة قدراته العقلية عندما يتعلم الطرق العلمية البسيطة الموجزة لاستغلال قواه العقلية، إن استخدام العقل بقدر الضعف لا يستنفد مجهوداً مضاعفًا لأنك ببساطة بالغة تحتاج أن تتعلم استخدام عقلك بشكل أكثر كفاءة محققاً ضعف النتائج دون أي زيادة في الطاقة العقلية مقارنة بما قبل ذلك.

حالة التعلم المثلى

هل جربت مرة وشعرت وأنت تتعلم أنك في كامل تركيزك وأنك تستطيع الحصول على المعلومات فوراً ودون أي جهد بل وبدرجة من الابتهاج تجعلك ترغب في مواصلة التحصيل حتى تنهار من شدة التعب؟ هل جربت وشعرت أنك في كامل قدراتك العقلية وما أن تنظر للكلمة حتى تحفظها؟ هذه الحالة تسمى حالة التعلم المثلى في حين يسميها بعض العلماء « قمة الأداء» ويسميها البعض الآخر» حالة التدفق الذهني». قد يساورك الشك في أنك لم تخض مثل هذه التجربة من قبل ولكن إذا استعرضت شريط حياتك فستتذكر بلا شك مرة واحدة على الأقل كنت في مثل هذه الحالة ولكن المشكلة أنها نادرا ما تأتي. وقد تتمثل هذه الحالة في ورشة عمل، أو كتاب لامع، أو محاضرة مثيرة بدا لك أنك تفهم كل كلمة يقولها المحاضر بل تتوقع ما سينطق به من كلمات وتشعر بصفاء ذهن غير عادي .

خطوات حالة التعلم

لم تعد « حالة التعلم المثلى « أمراً عشوائياً يأتي ويذهب أحياناً وقتما يشاء، بل إن أفضل ما حققه الباحثون في هذا المجال وضع أسلوب ثلاثي الخطوات يتم بمقتضاه دفع الجسم والعقل إلى حالة «التعلم المثلى»، حيث أصبح باستطاعتنا أن ندخل إلى « حالة التعلم المثلى « في أي وقت نشاء باتباع الخطوات الثلاث الآتية:

-الخطوة الأولى التنفس العميق: هناك كم هائل من التجارب والبراهين العلمية تؤكد أن التنفس العميق يزيد من كمية الأكسجين المتاحة للمخ ،كما يعمل على استرخاء الجسد وتخليص العقل من التوتر.

-الخطوة الثانية الاسترخاء والتأمل: يساعد الاسترخاء والتأمل على تنقية المخ من الأفكار التي تشتت التركيز.

-الخطوة الثالثة التأكيدات الإيجابية: فالتأكيدات الإيجابية لها من القوة ما يضمن جعل العقل يتحول إلى حالة التعلم المثلى تماما كالقوة الكامنة في الأمر الصادر إلى الحاسب الآلي للانتقال من برنامج إلى آخر.

الفائدة من التعلم

لنتذكر دوماً هذه القصة، أن أول درس تتعلمه عندما تريد تعلم الفروسية وركوب حصان أنه عليك أن لا تشد العنان وتركل الحصان، لأن شد العنان أمر بالتوقف وركل الحصان أمر بالجري، وعندما تتضارب الأوامر للحصان عليك تحمل ردة فعله فقد تكون سقطة عنيفة، وهذا ما نفعله عندما نقول لأنفسنا أننا لا نجيد التعلم ونريد أن نفهم ونتعلم، فقط كرر لنفسك العبارات الآتية في بطء وهدوء واقتناع ؛» إنني أجتاز حالة التعلم المثلى» ،» إني أتعلم بسهولة وعمق « ،»ما أتعلمه هو مهم وجذاب لي»، ومع تعزيزك لقدرتك العقلية تنتقل إلى حالة التعلم المثلى، ويكون بوسعك الانطلاق وإحراز أقصى فائدة من فرصتك في التعلم .

التكنولوجيا وحالة التعلم المثلى

لقد أثرت التكنولوجيا على حياتنا بشكل كبير وغيرت الطريقة التي نسافر بها، والطريقة التي نلعب بها، والطريقة التي نعمل بها، ولعل من أكثر الطفرات في عالم التكنولوجيا هو ظهور الإنترنت الذي بدأت ثورته منذ أكثر من عقدين من الزمان ومع ذلك ما زلنا نكافح لاستيعاب أثره علينا. إن تطور وسائل الإعلام ووجود الإنترنت على رأسها أدى إلى ثورة في « التدفق المعلوماتي « فشبكة الإنترنت أحدثت تغييرات جذرية في كل سبل التواصل تقريبًا.فمن لديه اتصال بالإنترنت صار بإمكانه التحدث وإنشاء محتوى للتعلم والمشاركة وتبادل المعلومات والأفكار بكل حرية وبالتالي زادت معدلات سرعة الابتكار والتطور في جميع أنحاء العالم ،ومن جهة أخرى أثر تدفق المعلومات على نمط التفكير وطريقة عمل الدماغ ومعالجته للمسائل الحياتية والمعرفية بشكل عام.

الدماغ البشري

يقول البروفسور سمول :»بما أن الدماغ البشري (بلاستيكي) وله قابلية على إعادة تشكيل نفسه طبقاً لنشاطاتنا اليومية، فإن استخدام الحاسوب لفترات طويلة يظهر تأثيره جلياً عبر ردة الفعل السريعة تجاه المؤثرات الصورية التي تظهر أمام شاشتنا الذهنية دقيقة تلو الأخرى فضلاً على تحسين أشكال التيقظ والانتباه بالإضافة إلى تطويره القدرة على تمحيص كم هائل من المعلومات بحيث تزداد ثقة المرء بها أو أنه يدحضها. ويضيف أحد خبراء أن الإنترنت يسهم في تخليص دماغ الإنسان من الذكريات الماضية في ظل كون الشبكة تجعل المرء على الغالب يعيش حالة من الزمن المضارع أو الراهن، وفي المقابل يرى باحثون آخرون أن الإنترنت يضعف من مهارة الانتباه ويقلص فرص التأمل، ويتسبب في عدم القدرة على التفكير العميق ، ويؤدي إلى أنماط متجزئة ومتناثرة من التفكير ويشوش الذهن.

هل تجعل التكنولوجيا البشر أكثر ذكاء أو غباء؟

لقد طرح هذا التساؤل وناقشه الكاتب نيكولاس كار في كتابه هل يجعلنا الإنترنت أغبياء؟ومن خلال اعتماده على أبحاث علمية بيّن أن استعمال الإنترنت أحدث “ثورة” في أدمغتنا.وقامت الأدوات التكنولوجية الحديثة بتغيير طريقة عمل ذاكرتنا، وانتباهنا، وطريقة فهمنا وتفكيرنا، وبالتالي فإن مواليد العصر الرّقمي سيكونون نموذجاً لهذا التّحول (مُتحوّلون حقيقيون). وعلى جانب آخر نشرت دراسة مؤخراً في جريدة «نيويورك تايمز» تقول إن فريقاً من علماء الأعصاب في جامعة كاليفورونيا بولاية لوس أنجليس وجدوا أن عمليات البحث عن طريق غوغل أدت إلى زيادة نشاط المنطقة المجاورة لقشرة الفص الجبهي بشكل أكبر مما يحدث حينما يقوم الإنسان بتصفح كتاب نصي، وهو ما يدحض ما أشار إليه نيكولاس كار في كتابه بأن قضاء الوقت في تصفح الإنترنت يؤثر بشكل سلبي على تلك المنطقة وهي المنطقة التي تكمن فيها المواهب الدقيقة والقدرة على الانتباه والتحليل المنظم. وبعد.. ربما يبدو للبعض أن ثمة تضارباً بين الدراسات التي تتناول أثر التكنولوجيا الحديثة (خاصة تلك المتعلقة بالحواسيب والإنترنت) على الدماغ، لكن هذا التضارب يفتح الباب على مصراعيه أمام السؤال الآتي: هل تجعل التكنولوجيا البشر أكثر ذكاءً أو غباء؟ إن الإجابة عن هذا السؤال ليست بهذه السهولة لأن الأمر لا يتعلق أساساً بمدى سوء أو حسن وقع التكنولوجيا على الأدمغة البشرية وبالتالي على حياة البشر، فالمسألة تتعلق بمدى تطويع التكنولوجيا لخدمة الإنسان أو الإنسان لخدمة التكنولوجيا، ومن المهم فهم كيف ندخل في حالة التعلم المثلى بالاعتماد على التدفق المعلوماتي لشبكة الانترنت فحتما سنصبح أكثر ذكاء من ذي قبل أما الذين يتعرضون لتدفق معلوماتي عشوائي وأعمى فحتما سيصبحون أكثر غباء من ذي قبل.

أمينة منصور الحطاب

الرأي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى