هل العلمانية سلاح الأقليات؟
اختار أحد الأصدقاء الكرام أن ينشر مقولة عن العلمانية مفادها أنها “ستار شفاف تتستر به الأقليات المدللة”، هدفها أن “تمتطي ظهر الأكثريات المغفلة”؛ وبالرغم من أن ناقل هذا الشعار هو صديقي وإنسان عزيز وصادق إلا أنني انصدمت بما يحمله هذا الشعار من كره للعلمانية، فكيف يمكن أن تكون العلمانية ستاراً شفافاً للأقليات المدللة يا صديقي؟
وأي أقليات تتحدثون عنها، فإذا كانت هذه الأقلية شيعية أو علوية كما هي الحال في سوريا، فهل المقصود بذلك العلمانية في فكر حكومات البعث على سبيل المثال، أي علمانية الشيعة؟ وإذا كان الحال متماثل في العراق وافترضنا أن السنة كانوا الأقلية في زمن صدام حسين، فهل المقصود علمانية السنة؟
أما إذا كان المقصود الأقليات الدرزية مثلاً أو الكردية أو الأزيدية أو ربما المسيحيين، فلا أعلم المقصود تحديداً، لكن وفي أي حال من الأحوال أرجو ألا يكون رفع هذا الشعار مطلباً لدولة إسلامية لأنه إذا كان الأمر كذلك فإن الأقليات وبخاصة الأقليات غير المسلمة، وأنا انتمي إليها، فإننا لن نقبل أن تطبق علينا الشريعة الإسلامية تحت أي ظرف من الظروف، وربما نلجأ إلى حمل السلاح في مواجهة ذلك لأننا لن نغادر أوطاننا بل سندافع عنها، وإن كنا نقبل بأن نسترشد بالشريعة الإسلامية بوصفها من ثقافتنا وتراثنا ونأخذ منها ما هو صالح ونلفظ منها ما هو طالح، فإننا لن نقبل أن نسمى أهل ذمة لأننا مواطنون في مجتمع مدني لن نقبل أن تكون شهادة الأنثى ناقصة أو أن يفرض علينا لباساً معيناً كما حدث في إيران، ولا نقبل أن تقطع يد السارق على سبيل المثال، الحد الذي أوقفه الخليفة عمر بن الخطاب في أيام المجاعة، وهل أيامنا هذه مختلفة؟
لم يأتي القرآن الكريم بنظام في الحكم، فصار الاجتهاد مفتوحاً في بناء الدولة، بدءَاً من سقيفة بني ساعدة وانتهاء بالخلافة العثمانية؛ فبأي حق تريدون فرض نظامكم الذي تراكم عبر العصور في ظروف تختلف تماماً عما هي عليه حالنا اليوم وعبر فقهاء من البشر، يخطئون ويصيبون “وكل بني آدم خطّاء”؛ وبأي حق أو منطق توقفون التاريخ السياسي عند الغزالي أو ابن تيمية أو سيد قطب؟
لذلك، فإننا نرى أن الدولة المدنية تستدعي العلمنة بالضرورة، والمقصود بالعلمنة هنا فصل الدين عن الدولة وصياغة القوانين الوضعية التي تجاري العصر. لم تنجح الدولة الدينية في أي مكان في العالم، مسيحية كانت أم إسلامية، ومكتوب لها الفشل في كتب التاريخ لأن العالم يتطور ويتغير ودساتير الدول ترتقي وفقاً لمتطلبات شعوبها، وإذا بقيت الدولة نصية جامدة فإنها تعلن انتحارها على الملأ إما بحرب طائفية مذهبية أهلية أو بالإفلاس الفكري.