هل إقتربت #شمس #الدولار_الأمريكي من #الأفول ؟
محمد حسني نغوي
لطالما كان الدولار الأمريكي وسيلة لبسط النفوذ الأمريكي عالمياً، ولعقود طويلة من الزمن سيطر الدولار الأمريكي على النظام النقدي العالمي، نتيجة كونه عملة النقد الاحتياطي العالمية الأساسية، حيث يشكل الدولار الأمريكي حالياً ما نسبته حوالي 60 في المائة من احتياطيات النقد الأجنبي التي تحتفظ بها البنوك المركزية حول العالم، كما أنه يشكل نسبة 90 في المائة من جميع المعاملات بالعملات التي تنطوي على استخدام الدولار الأمريكي.
اليوم أصبحت العديد من الدول، أكثر فأكثر، حريصة على عزل نفسها عن نفوذ واشنطن، فمنذ سنة 2014 بدأ وضع احتياطي الدوار الامريكي في الانخفاض، وذلك عندما بدأت بعض القوى العالمية الكبرى في إزالة الدولار من تعاملاتها التجارية، وقد أدت الحرب الأوكرانية والعقوبات اللاحقة التي فرضت على روسيا، إلى تسريع عملية إزالة الدولار، فالصين مثلا يبدو أنها فوجئت واستشعرت بالخطر بعد أن تم الاستيلاء على احتياطيات النقد الأجنبي للبنك المركزي الروسي في أعقاب غزو أوكرانيا، وفي حالة حدوث صراع بين الولايات المتحدة والصين ، قد تكون الأصول الصينية هي أيضًا في خطر كما حدث مع روسيا، نفس الشيء تنبهت له دول أخرى ذات مكانة اقتصادية عالمية في مجال الاقتصاد والطاقة مثل السعودية والهند والبرازيل، حيث صدرت عن تلك الدول نوايا وتصريحات وقرارات تتمثل فيما يلي:
(١) خلال مؤتمر صحفي في منتدى دافوس في شهر يناير الماضي ، فاجأ وزير المالية السعودي محمد بن عبدالله الجدعان الصحفيين بالقول إن السعودية (أكبر مصدر عالمي للنفط) مستعدة للنظر في تداول عملات غير الدولار الأمريكي لأول مرة منذ 48 عامًا.
(٢) في الأسبوع الماضي ، أكملت شركات الطاقة الصينية والفرنسية أول صفقة على الإطلاق للغاز الطبيعي المسال في الصين باستخدام عملة (اليوان) الصيني. تضمنت استيراد 65 ألف طن من الغاز الطبيعي المسال من الإمارات العربية المتحدة، وهذه تمثل علامة بارزة في جهود بكين لتحدي مكانة الدولار الأمريكي باعتباره “البترو-دولار” العالمي لتجارة الغاز والنفط.
(٣) أعلنت البرازيل مؤخرًا عن اتفاقية مع الصين للتجارة مباشرة في عملاتها الخاصة ، متجاوزة الدولار الأمريكي كوسيط.
(٤) تبذل الهند أيضًا جهودًا لتقليل هيمنة الدولار الأمريكي في التجارة الدولية من خلال إطلاق برامج منفصلة لتسوية المعاملات بعملتها الخاصة، حيث سمح بنك الاحتياطي الهندي مؤخراً للبنوك المركزية من 18 دولة بفتح حسابات Vostro Rupee خاصة لتسوية المدفوعات (بالروبية) الهندية.
وبشكل عام، انخفضت حصة الدولار الأمريكي في السوق العالمية من 71 في المائة إلى 59 في المائة خلال العقدين الماضيين، ويمكن أن تتقلص أكثر من ذلك في المستقبل.
في كل مرة يتم فيها تبادل (اليوان) الصيني أو (الروبية) في السوق العالمية، على سبيل المثال، ولا يتم التداول بالدولار فإن الضحية الرئيسية في هذا السيناريو هي الولايات المتحدة ومعها الدول المرتبطة عملاتها بالدولار الأمريكي، وبمرور الوقت اذا اكتسبت البدائل الموثوقة من العملات البديلة قوة دفع، فسوف تتعرض هيمنة أمريكا في السوق العالمية إلى الخطر، وإذا اكتسبت البدائل الموثوقة قوة دفع ، فسوف تتعرض هيمنة أمريكا في السوق العالمية للخطر، وهذا بالطبع لن يكون بمنأي عن تراجع الهيمنة السياسية، وبذلك قد تنقلب آثار سلاح العقوبات الاقتصادية الامريكية المرتكز إلى الدولار الأمريكي على أمريكا نفسها، بصعود بدائل نقدية عالمية.
من الواضح أنه بعد درس أوكرانيا فإن الدولار الأمريكي سيبقى يتراجع، وان عملات أخرى ستحل محله في السوق النقدي العالمي مثل اليوان الصيني والروبية الهندية والروبل الروسي وحتى الريال السعودي والريال البرازيلي.
إن عملية تراجع الدولار الأمريكي كعملة نقدية عالمية في مقابل صعود عملات أخرى لن تكون عملية سهلة وميسرة، بل سيكون لها تبعات خطيرة ستغير الخارطة السياسية للعالم، ومن هذه التبعات:
أولاً: كثير من الدول لن تقدر على الصمود وستنهار سياسياً نتيجة لإنهيارها الاقتصادي، وقد تندمج بعض الدول الأصغر والأضعف بدول مجاورة لها أكبر وأقوى اقتصادياً.
ثانياً: ستنشأ نطاقات نفوذ اقتصادي لكل عملة بديلة صاعدة وقوية، وستبنى هذه النطاقات بناء على حجم التبادل التجاري للدول باستخدام العملة البديلة، فأكبر شريك تجاري للدولة الصغيرة سيكون هو صاحب النفوذ الاقتصادي الأكبر عليها، على سبيل المثال نطاق النفوذ الاقتصادي الصيني سيكون على الدول التي تشكل الصين فيها أكبر شريك تجاري وهي الدول المؤهلة لاعتماد (اليوان) الصيني لتجارتها مع الصين.
ثالثاً: بعض الدول الأقدر اقتصادياً نتيجة امتلاكها لموارد طبيعية كبيرة ستكون أقدر على بناء سلة من العملات لخلق توازن في علاقاتها التجارية وبالتالي عدم وقوعها تحت نفوذ أي من تلك الدول، ولكن هذا سيكون على المدى القصير.
رابعاً: العديد من الدول ستلجأ إلى نظام المبادلة، سلع مقابل مواد خام أو العكس، أو حتى أيدي عاملة مقابل سلع أو مواد خام.
خامساً: ستعود الأفكار الاشتراكية للتداول بجدية وستظهر دعوات لاعتماد الاشتراكية كحل لتلبية المتطلبات الاساسية للشعوب.
الحل المنطقي الوحيد لتجنب كل تلك التبعات هو الاتفاق على اعتماد (عملة عالمية موحدة) غير خاضعة لنفوذ أي دولة إلا بمقدار ما يمكن أو تودعه تلك الدولة من ذهب يعادل هذه العملة، وهذا الحل لن يكون مطروحاً اليوم في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية المتأزمة بين أمريكا والدول الغربية من جهة وكل من الصين وروسيا من جهة أخرى، ولأنه يتطلب تقديم تنازلات كبيرة من قبل الولايات المتحدة لأنه سيفقدها الكثير من نفوذها الاقتصادي ومن هيمنتها السياسية وسينقل مقرات المؤسسات المالية العالمية من أراضيها (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي)، وأفضل مكان لاستقرار تلك المؤسسات سيكون سويسرا كون أنها دولة محايدة وقد أثبتت صلابة حيادها خلال الحرب الأوكرانية رغم الضغوط التي مورست عليها.