هذا خلق الله

هذا خلق الله
د. هاشم غرايبه
في الصيف الماضي، وفيما أنا أتفقد #أشجار الحديقة، لاحظت بعض #النمل على سيقان بعض الأشجار دائبا في صعود ونزول، بحكم خبرتي عرفت أن ذلك دلالة على إصابة الشجرة بحشرة المن وذلك يتطلب سرعة المكافحة قبل استفحال الآفة.
هذه #الحشرة صغيرة الحجم لا تتجاوز 1 ملم تعيش على امتصاص عصارة #الأوراق فتذبل وتتساقط، مكمن خطورتها أنها تتكاثر بسرعة هائلة، لكن علاقتها بالنمل أمر بالغ التعقيد والإدهاش، فهي تنتج مادة صمغية سكرية يتغذى عليها النمل، لذلك فإنه يجمع بيوضها في مسكنه ليكاثرها، وينقل هذه الحشرات من مكان لآخر، تماما مثلما يربي الإنسان الأبقار ليحلبها، حيث يوزعها النمل في المرعى ثم يعيدها الى مسكنه ليقوم بـ(حلب) المادة السكرية بضرب مؤخرة الحشرة ضربات خاصة بقرني الإستشعار فتخرج السائل السكري، والذي إذا قورن بانتاج البقرة اليومي من الحليب سنجد أنه يزيد عنها مائة ضعف نسبيا الى حجمها.
عندما اكتشف الإنسان ذلك جرت محاولات لفهم آلية (الحلب) هذه، لكن شيئا غامضا، حال دون ذلك، وما أدهش العالم “متلر”، أنه حاول تقليد ما تقوم به النملة، لكنه لم يفلح باستخراج نقطة واحدة!
الأعجب في الأمر أن حشرة المن هذه يمكنها الإنتقال أصلا بذاتها، لكن النمل حتى يبقي انتاجها تحت سيطرته، يقضم أجنحتها كي لا تطير بعيدا، ولا يعود بإمكانه اللحاق بها.
لقد أجرت جامعة “امبريال كوليدج” الللندنية ابحاثا حول ذلك ووجدت ما هو أكثر إدهاشا، إذ أن النمل إضافة الى ذلك يفرز مادة تحيط بقطيع المن على الورقة، فتصبح حركته بطيئة، ولا يعود بقادر على مغادرة الورقة، إلا أن يشاء النمل نقله، وإذا جف مرعى المن ولم يعد قادرا على انتاج المادة الحلوة، يأكلها النمل ليتغذى عليها، تماما مثلما يفعل الإنسان بالبقرة عندما لا تصبح حلوبا.
أليس ذلك دليلا على أن المعلم والملهم لكل الكائنات واحد؟.
إن تفحصنا وظائف ومهام كائن حي واحد هو النمل لوجدناها عديدة وباهرة، ومن أهمها تنظيف البيئة من الجيف الصغيرة، فهو يأكل كل الكائنات الحية النافقة، من أصغرها كالحشرات والديدان حتى الكبيرة منها كالسحالي والأفاعي، ويتجمع قرب التي على وشك الموت منتظرا موتها ليفتتها وينقلها الى مسكنه، وبذلك يخلص البيئة من تراكم الجيف، التي ستصبح مكرهة صحية ومرتعا للأمراض والآفات.
بالمناسبة فالحيوانات الضخمة، لن يتمكن من تفتيتها النمل فيكون التخلص منها عن طريق تآكلها بواسطة الدود الذي تكون بيوضه في أمعاء كل الحيوانات بشكل تلقائي، وتبقى كامنة طول عمر الحيوان منتظرة موته، وعندها تفقس وتتكاثر بسرعة هائلة بعد أن تحس بتوقف الحياة فيه، فلا تمر ثلاثة أيام إلا وقد تكون اليرقات قد عمت كافة أرجاء الجسد والتهمت معظمه، وما أن يفنى حتى تفنى بدورها وتتحلل الى المكونات الأولية للتربة لتختلط بها وتخصبها، فيتغذى عليها النبات، والذي تتغذى عليه الكائنات الحيوانية، وهكذا دواليك.
ويساعد الديدان في أداء تلك المهمة، الذباب الأزرق، الذي يضع بيوضه في الجسد النافق، لتفقس يرقات نهمة تأكل ما يتبقى منه.
ترى من الذي دل النمل والذباب على وجود حيوان يحتضر، ومن الذي جعل ذلك غذاءه الذي يسعى له سعيا؟.
وهل كل هذا التدوير المبرمج مجرد صدفة أم هنالك من هيأ هذه الدورة البيولوجية المغلقة!؟، فلا يندثر نوع ولا يسود آخر، بل تبقى كل الأنواع موجودة بنسبة ثابتة.
فلو نظرنا في حشرة المن، لوجدنا أنه لو ظلت تتكاثر بمعدلها الطبيعي، فإنها ستغطي سطح اليابسة بسمك متر في سنة واحدة، لكن الله خلق حشرة تسمى أم علي (( Ladybird متخصصة بأكل المن، وتستهلك الواحدة في اليوم الواحد خمسين حشرة، وهنالك ثلاثة أنواع أخرى من الحشرات المفترسة تساعد معها في ابقاء النسبة ثابتة.
هذه آية تكوينية واحدة من ملايين العمليات الدقيقة المترابطة بإحكام مبهر للعقل، والتي لو اجتمع كل عباقرة البشر على أن يأتوا بواحدة مثلها، لن يتمكنوا ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.
أليس العالِم الذي ينكر وجود الخالق جاهلا؟، ويصدق فيه قوله تعالى “أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ” [الجاثية:23]، فلا تنفع الشهادات العلمية في انقاذه من وهدة الجهل بعد إذ عمي قلبه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى