هدية من حكومة “السيسي” تُثير الذعر في السودان

سواليف
سببت شحنة من طحين القمح أرسلتها الحكومة المصرية إلى السودان في إثارة الذعر وسط المواطنين بعد شكوك حول تلوث الطحين بمادة قاتلة. ورغم أن الشحنة هي هدية لمواجهة أزمة اقتصادية طاحنة، إلا أن القضية تحولت أيضا إلى جدل سياسي، واعتبرت على صلة بالموقف المصري الرسمي من التظاهرات الشعبية المطالبة بالإطاحة بحكومة الرئيس السوداني عمر البشير.

هدية السيسي:

وتصدر موضوع طحين القمح المصري، تغريدات ونقاشات السودانيين في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية، وعبر كثيرون عن مخاوفهم من الشحنة التي رأوا بأنها تعبر كذلك عن مساندة الحكومة المصرية للرئيس البشير في مواجهة التظاهرات الشعبية الداعية إلى إسقاط نظامه، على خلفية زيارة قام بها البشير نهاية الشهر الماضي إلى مصر والتقى خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث أعلن عن اتفاق ينص على حماية المصالح الاقتصادية لكلا البلدين.

وتصنف الحكومة السودانية طحين القمح، كسلعة استراتيجية وسياسية لا يمكن للدولة التخلص من دورها التجاري فيه، وترى أن ندرة النقد الأجنبي لاستيراد الكميات المطلوبة من القمح هي السبب الرئيس في اندلاع تظاهرات شعبية ضد النظام، غير أن المتظاهرين ينظرون إلى أسباب عديدة أخرى غير أزمة الخبز من أجل إسقاط النظام.

مقالات ذات صلة

وأثارت “هدية السيسي” كما سماها النشطاء والثوار المعارضون، حالة قلق واسعة وسط المواطنين وتحذيرات من مختصين وجمعية حماية المستهلك السودانية، ما اضطر الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس لإصدار بيان يحمل تطمينات، فقد اطلعت “عربي21” نهار اليوم الخميس على بيان نفت فيه الهيئة تسرب دقيق ملوث قادم من مصر، وقالت: “لم تدخل شحنة دقيق قمح هدية مقدمة من جمهورية مصر العربية بدون أي إجراءات فنية”.

تحت الاختبار

وأكد الدكتور عوض محمد أحمد سكراب المدير العام للهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس أن شحنة دقيق القمح القادمة من مصر تمت إجراءاتها بواسطة الجمارك بما يعرف بفحص الموقع، واستناداً إلى ذلك تم حجزها بالمخازن والتحفظ عليها بالتعاون مع الجهات الأمنية.

وقال: “سحبت عينات بواسطة الهيئة بغرض إجراء التحاليل وفقاً لمتطلبات المواصفة القياسية الخاصة بدقيق القمح شاملة الملوثات وكل الاختبارات المتعلقة بالصحة والسلامة بما في ذلك الفطريات، ولن يسمح بالتصرف فيها إلا بعد ظهور نتائج تحليل العينات والتأكد من خلوها من أي ملوثات ومطابقتها للمواصفات”.

وطمأن سكراب المستهلكين أن الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس تعمل وفق منظومة عمل دقيقة ومرجعيات فنية وأنها ستظل عيناً ساهرة وأمينة على حمايته والاقتصاد الوطني مطالباً بعدم الانسياق وراء الشائعات وعدم تخويف المستهلكين ببث رسائل سالبة وغير مسنودة بمصداقية أو دلائل علمية.

وكان مسؤول في جمعية حماية المستهلك، أكد عدم الإفراج عن شحنة الدقيق التي وصلت من جمهورية مصر دعما للسودان والتي أعلنت عدة جهات تلوثها بمادة البرجوت القاتلة، وقال: “إن رئيس جمعية حماية المستهلك نور الدين شلقامي أجرى اتصالات بمدير الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس السودانية لمعرفة حقيقة شحنة الدقيق القادمة من شمال الوادي”.

وأضاف أنه تلقى ردا بأن “الشحنة محجوزة في المخازن لم يفرج عنها (..) وإلى حين ظهور نتائج الفحص من المختبرين لن يفرج عن الشحنة المذكورة”.

لكن الأخصائي في مجال الزراعة الدكتور طارق جبريل لم يستبعد في حديث مع “عربي21″، أن تكون الشحنة المصرية من طحين القمح ملوثة بالفطر القاتل المسمى علميا بـ”البرجوت” المؤذي لصحة الانسان، مشيرا إلى أن تقارير صحفية مصرية أثبتت قبل فترة طويلة تلوث دقيق تم استيراده أصلا لمصر من روسيا، ورأى أن الأمر من الخطورة بأهمية التوصل إلى نتائج معملية على عجل وتوضيحها للرأي العام إذا كانت السلطات السودانية ما تزال تحرص على المصلحة العامة.

دوافع سياسية

الصحفية المصرية المهتمة بالشأن السوداني صباح موسى قالت إنه لا يمكن الحديث عن هذه الأمر دون النظر إلى دوافع سياسية مع عدم توفر مصادر رسيمة حول هذه المزاعم، إضافة إلى أن السودان يشهد ثورة ضد النظام السياسي الحاكم، ورأت أن الشائعات تنتشر في مثل هذه الأجواء، مشيرة إلى أن القاهرة وقفت مع الرئيس البشير من خلال استقباله في زيارة أثناء اندلاع التظاهرات، فضلا عن حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي الضمني بأنه يساند البشير، إلى جانب أن شحنة الطحين هي دعم للبشير.

وأوضح المهندس الزراعي عمار حسن بشير من الأمن الغذائي التابع لوزارة الزراعة السودانية، في حديث مع “عربي21″، أن القضية تسودها الضبابية نتيجة غياب المعلومة الصحيحة الموثوقة ورسمية المصدر سمة بارزة في الجهات الرقابية بالحكومة، في ظل تدفق رهيب وسريع وكبير لمعلومة دخول شحنة القمح المصري الملوث.

وحمل المهندس حسن بشير الذي يعمل حاليا في إدارة تكنولوجيا المعلومات بالمجلس الزراعي السوداني، الجهات الرسمية والرقابية في الدولة مسؤولية البيان للناس ما أشكل عليهم في أمر مأكلهم وضمان سلامته، إذ أن سلامة الغذاء food safety أضحت من القضايا المحورية في قضية تحقق الأمن الغذائي food security وهي من المبادئ الإسلامية الراسخة التي جاء ذكرها في القرآن الكريم كذلك.

ودعا الجهات التنفيذية في البلاد، إلى إيقاف العبث بأرزاق وأقوات الناس لا سيما والقمح أضحى طعام غالب أهل هذه البلاد في حضرهم وأريافهم.

لكنه أيضا لم يستبعد أن يكون مجمل الأمر شائعة ذات أغراض سياسية بائنة يمكن للمحللين أن يسوقوا لها كل تحليل ومن أي مخرج، وأضاف: “ربما شائعة أطلقتها الحكومة السودانية في سبيل الحد من استهلاك القمح والمتمثل في أشهر صوره (الخبز)، لترفع عن نفسها رهق وعناء ميزانية استيراد القمح بعد عجزنا عن الاكتفاء منه بل عجزنا عن حتى زراعته”.

وحسب إحصاءات بنك السودان المركزي فإن الحكومة تدعم استيراد القمح بنحو 200 مليون دولار سنويا، ويبلغ سعر جوال القمح المدعوم بحوالي 12 دولار بينما يصل سعره في الدول المحاذية للسودان إلى 30 دولار.

ويستهلك السودان حوالي 2.5 مليون طن من القمح سنويا، لكن المتخصصين يشككون في هذه الإحصائية، ويعتقدون أن الحجم يتم تضخيمه لزيادة الكمية المدعومة واستخدامها في مجالات أخرى غير الخبز أو تعرضها للتهريب.

بيد أن المهندس حسن بشير، يضع سيناريو آخر لقضية الطحين المثيرة للجدل، ويقول “: “لربما شائعة تستهدف الجانب المصري وما برز عن تبادل الكهرباء والمواد الغذائية بين البلدين، فمصر تبعث للسودان بقماماتها وخزائن سلالها، فنحن أولى أن تعطل أي صور للتعامل والتبادل بين البلدين أو هكذا يتحدث منطق الشائعة”، وفق تعبيره.

ويشكك حسن بشير في توفر معامل فنية متخصصة تضمن نتائج فحص بصورة قاطعة، ورأى أن الجهة الرسمية المعملية في الدولة هي الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس إلى جانب إدارات زراعية فنية تتمثل في الحجر الزراعي، وقال: “أعتقد أن سلطات الحجر الزراعي قد تم تجاوزها بعد دخول القمح المصري للسودان، وأن بعض الجهات المختصة في الدولة تضع الخمسة في الإثنين وتلوذ بالصمت المريب”، على حد تعبيره.
العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى