سواليف
نشرت مجلة ” نيوزويك ” مقالا لرئيس المعهد المصري للدراسات، ووزير التخطيط المصري السابق، الدكتور عمرو دراج، يقول فيه إن هناك تغيرات عميقة تحدث في العالم العربي.
ويبدأ دراج مقاله بالسؤال، قائلا: “من لم يكن سعيدا عندما رأى صور الاحتجاجات والمظاهرات في طول البلاد العربية وعرضها عام 2011؟ حيث كان المجتمع المدني العربي يؤكد أهمية الحكومة المنتخبة في وجه الفساد والاستبداد، في أكثر استعراض ايجابية للفعل الشعبي في عصرنا الحاضر”.
ويستدرك الكاتب في مقاله، بأن “النتائج لم تكن تلك التي قصدت، فدون إجماع ودون قلع جذور الدولة العميقة القديمة، سادت الفوضى، وبرز نظام جديد، نظام مصاب بجنون العظمة، ويعتمد على القمع والأموال الطائلة، وتم استبدال مصر والعراق وسوريا بالإمارات والسعودية، التي عرفت أنظمتها بالاستبداد والثروة النفطية، ويمكننا أن نرى كيفية استعداد السعودية لاستخدام موقعها الجديد”.
ويقول دراج: “الديمقراطية ذاتها الآن تحت التهديد، والشرق الأوسط، مهد الحضارات، هو المكان الأكثر عرضة للخطر، وهو شاهد على الاستبداد الذي يتجذر في المنطقة، وفشل الغرب في اتخاذ الإجراءات المناسبة، وفي الواقع فإن الرئيس دونالد ترامب دعم المستبدين، مثل الجنرال السيسي في مصر، ويستمر في الإصرار على أن هناك علاقات استراتيجية مع السعودية وحاكمها الفعلي محمد بن سلمان، لكن هذا التهاون مع الاستبداد لن يجلب الاستقرار الإقليمي، ولن يخدم المصالح الأمريكية”.
ويؤكد الكاتب أن “ترامب أضعف السلطة الأخلاقية لأمريكا وحلفائها في وقت حرج لهم وللشرق الأوسط، وحكم على الملايين بالعيش في ظل قمع خانق من مستبدين يتبعون نزواتهم، ولم يبد ازدراءه إلا للديمقراطية، وبذلك شجع اعتقادا على نطاق واسع -اعتقادا يسوق له الكثير من المتنفذين في العالم العربي- بأن الديمقراطية ليست دائما جيدة أخلاقيا ولا حتى مرغوبة”.
ويعلق دراج قائلا إن “هذا الدعم، بالإضافة إلى عدم إمكانية التنبؤ والارتباك، اللذين تمتاز بهما إدارة ترامب، التي سمحت للسيسي وغيره بأن يتبعوا سياسات أكثر قمعا، وقد سيطر المستبدون على الدول العربية التي أضعفتها الثورات، واستغلوا الفوضى في العالم والغرب الذي تعكر الشعبوية أجواءه لملاحقة وقتل من يتحداهم، وكان السيسي قد استمتع بإفلات كامل من العقاب تحت إدارة أوباما، وحتى بعد أن قتل ألف مصري في ميدان رابعة في آب/ أغسطس 2013، واليوم فهو يعاقب المعارضين والناشطين كل يوم؛ فأصبحت الاعتقالات غير القانونية والتغييب القسري والقتل خارج القانون أفعالا روتينية، وحربه الخفية في شبه جزيرة سيناء تهدد بكارثة إنسانية”.
ويشير الكاتب إلى أن “حالة التفكك هذه في الشرق الأوسط يصاحبها تزايد في تهور شمال كوريا، وصعود للصين، وغضب في أوروبا ضد الهجرة، ونمو بطيء في الاقتصاد، ليصبح العالم في حالة فوضى، عالم يحتاج إلى قيادة أخلاقية قوية تحافظ على القيم الأخلاقية، مثل الديمقراطية وحرية التعبير والقواعد المؤكد عليها في القانون الدولي”.
ويستدرك دراج قائلا: “لكن لدينا أسباب تجعلنا متفائلين، فالاشمئزاز الذي تسببت به جريمة قتل خاشقجي البشعة تثبت أنه لا يزال هناك خطا يجب عدم تجاوزه، وهناك أدلة متزايدة على أن خاشقجي كان قد عذب وقتل وقطع من فريق الإعدام السعودي في بلد آخر ذي سيادة، ومثل هذه الجريمة تنتهك المعايير الدولية الاخلاقية والقانونية كلها، وتهدد الأمن العالمي إن لم يجلب المجرمون للعدالة، وتحولت تهديدات ترامب للسعودية إلى شيء يقارب المصادقة، لكن المواطنين الذين يدعي أنه يمثلهم لا يشاركونه لامبالاته”.
ويلفت الكاتب إلى أن “الغرب عامة يدرك أهمية هذه الجريمة وتداعياتها للنظام الدولي وقصة الربيع العربي، لكن هل يدرك الغرب أيضا أن المستبدين، مثل ابن سلمان والسيسي، يعتمدون على غطاء المجتمع الدولي للاستمرار في ارتكاب جرائمهم؟ فكيف حظي السيسي باستقبال على السجاد الأحمر هذا الأسبوع في ألمانيا، في الوقت الذي ترتكب فيه الجرائم كل يوم في مصر بأمر منه؟ بالطبع يجب علينا رفع أصواتنا للمطالبة بالعدالة لجمال، ومحاكمة القتلة مهما علت مناصبهم، والأهم من ذلك يجب علينا القول بوضوح بأن على العالم ألا يسمح بأن نصحو يوما بعد أسابيع أو أشهر لنسمع أخبار اغتيال جمال آخر، دعونا لا نضيع تضحية جمال”.
ويجد دراج أن “القضية لم تنته بعد، فإن زلزالا -أكبر بكثير مما بدأ في تونس- سيحدث، يجب حماية الديمقراطية لتدعم بصفتها قيمة أخلاقية بغض النظر عن أي اعتبارات ثقافية أو محلية”.
ويرى الكاتب أنه “يجب في الوقت ذاته إعادة ضبط بوصلة الدبلوماسية بخصوص الشرق الأوسط، والتركيز على الأنظمة القمعية في المنطقة أمر مهم جدا، إن كانت هناك رغبة في الإبقاء على أي شكل من أشكال النظام العالمي أو إعادته”.
ويختم دراج مقاله بالقول إن “هناك تغيرات عميقة تحدث في العالم العربي، ولا يمكن ببساطة العودة إلى النظام القديم، ومهما حاول الغرب أن يتجاوز مؤشرات صعود الشعبويين للتدخل الدولي، فإن الغرب لا يستطيع أن يهمل التطورات في الشرق الأوسط.. فهي لم تستقر بل في حالة تصعيد”.
ترجمة عربي 21