#نملة_سليمان
مصعب البدور
لا يحتفي هذا الكون إلا بالمتميزين الذين يتفردون عن غيرهم، لربما يتشابه #المبدعون مع الجميع في المظهر أو الظروف أو يشاركون النّاس محيطهم بكل تفاصيله، إلا أنهم يحافظون على #الجوهر الذي يجعلهم مختلفين على الدوام.
لكن لماذا يذكر التاريخ بعض الشخصيات؟ ولماذا تغيب الكثرة الكثيرة عن سطور #التاريخ وعن أسانيد المرويات ومتونها؟ منذ زمن وهذا السؤال يلحّ علي، فإنّي لأسمع من أفواه الناس مقولات مثل: “ظروفه خدمته، نفوذ أبيه خدمه، الحظ خدمه…” وغيرها من الخوادم والمسارات التي تحلل المسألة؛ فتزداد أسئلتي، وفي محاولات الإجابة تعترض طريقي عبارة سمعتها من العامة أيضا: “هل يعقل أنه كان عدما وصنعته ظروف أو حظ أو…”
“الميدان للجميع والخلود لمن يستحق” هذه القاعدة الكونيّة المعتبرة في تفسير ظاهرة بروز بعض الأسماء وغياب الكثرة الكثيرة من الناس بأسمائهم ومهنهم وأجسادهم؛ فلم يكن عبثًا أن ذكر الله نملة سليمان في كتابه العزيز في الآية الكريمة (حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) إنما لأنها استحقت هذا الذكر لما تحلت به من منهج قويم، فلو نظرنا في قولها وجدنا أنها لم ترهب النمل، ولم تبثَّ في صفوف قومها الذعر، ولم نرها تأزم الموقف حتى تفقد رفيقاتها السيطرة على نظامهن وتختل أحوالهن، بل حرصت على تأمين النمل من حولها، فقالت مقدمة الحل: ادخلوا منازلكم، قبل أن تذكر المشكلة يحطمنكم سليمان وجنوده.
وبذلك استطاعت هذه النملة أن تقدم الحل وأن ترسم منهجا يستحق الخلود وتستحق أن يذكرها القرآن به، فلقد خلد ذكرها بإنجاز عظيم، إنجاز منهجي في إدارة الشعوب والممالك، نعم لقد أسست قانون في الإدارة ووضعت منهجا في القيادة.
خلاصة القول
ينبغي لكل من يعمل في دائرة الشعوب سواء كان قائدا أم مواطنا، مؤيدا أم معارضا، ناقدا أم كاتبا، تاجرا أم عاملا أن يتمثل منهج طرح الحلول قبل توصيف المشكلات والأزمات؛ فالأوطان أزماتها أكبر من أن تصفها الكلمات، وأظهر من أن تشرحها الدروس والعبر، لذلك لا بد من تمثل منهج نملة سليمان، لننجوا مما يحطم شعوبنا وأوطاننا، ومما يؤخرنا؛ لذلك على المتخصصين في شؤون الشعوب، والنقد الاجتماعي، والمختصين بالإصلاح وتصحيح مسار الدول والأمم، القيام بالدور الذي يجب أن يقوموا به، من تخطيط حقيقي وتنفيذ فاعل؛ فعلى الكتّاب أن يكتبوا الأمل، وعلى الفنانين أن يصوّروا لوحة المستقبل التي نحلم بها، وعلى المربين شرح درس استشراف الزمن، وعلى المهندسين تصميم طرق النجاة، وعلى الأطباء أن يعالجوا جروح خيالنا التي لا تصل إلا إلى لقمة العيش، وعلى الأمهات أن يغرسن الفضيلة في الناشئة، وعلينا أن نربي وطنا بأنفسنا لينمو ويكبر في أرضنا.
ويسألونك عن الخلود قل منهج واضح سليم، وفكرة سامية، وعمل مخلص، وإنجاز يخدم البشرية.