
#نقطة_نظام
د. #هاشم_غرايبه
منذ بدأت الحقبة (الترامبية) الجديدة، والعالم كله يعيش في قلق، فلا أحد يمكنه استقراء ما يحدث غدا، وكل المحللين الإقتصاديين والسياسيين والعسكرين، يحجمون عن تقديم قراءاتهم للواقع ناهيك عن توقعاتهم للقادم.
والتعبير الأدق للحالة هو : الأمور على كف عفريت، لذلك لا أحد يعلم ما ستؤول اليه الأمور.
بالطبع فمنطقتنا العربية هي أكثر ما يكتوي بهذا الحمق، فمنذ بدء الألفية الثالثة، وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي، ونضوب بنك الأعداء للغرب الطامع ابدا بما لدى الغير، اصطنع الإسلام عدوا جيدا ليبرر اعتداءاته، والتي لم تتوقف طوال ربع القرن المنصرم، أحيانا بهجمات عسكرية بقوات أمريكية وأعوانها حلف الناتو، وأحيانا أخرى بمخلبها القذر (الكيان اللقيط).
ما نشهده حاليا من اعتداءات يومية من العدو الصهيوني على سوريا، يندرج تحت هذا الباب، وليس مستقلا أبدا عن الإرادة الأمريكية، بل لا يجرؤ العدو على القاء قنبلة إن لم تكن بموافقة الإدارة أن لم تكن بتوجيه منها، ومنا نشهده من عبارات دبلوماسية خجولة، تصدر عن الحكومات الغربية، تدين هذه الاعتداءات، ما هي إلا من باب رفع العتب ليس إلا.
لقد انكشف منذ نجاح الثوار السوريين بتخليص بلادهم من نظام بشار المكروه، أن كل من كانوا يحمونه، قفزوا سريعا من السفينة الغارقة، فتركوه لمصيره المحتوم، بعض الناس أخذتهم الوساوس والظنون، فاعتقدوا أن النجاح السريع للثوار يشي بدعم أمريكي أو لأتباعهم للثوار، وان ذلك يعني أن الثورة مخترقة.
لكن سرعان ما تبين العكس، وهو ان النظام البائد هو الذي كان مخترقا، والدليل هو أن العدو ظل ساكتا عن مهاجمة قواته، ومغمضا عينيه عن جهود تطوير الأسلحة طوال الوقت، ما تحرك بهذا الاتجاه الا بعد سقوط النظام، فقام بتدمير كل ما أمكنه الوصول اليه، مما يدل على أنه لم يكن قلقا من نوايا نظام الأسد، بل كان مطمئنا الى أنه لن يستعمل قدراته العسكرية ضدها، بل جميعها موجهة للداخل لحمايته من شعبه.
من البديهي أن تلجأ القيادة الجديدة الى بناء قوتها العسكرية والاقتصادية من الصفر وبصمت، فقد أوصلها العهد البائد خلال السنوات العشرة الماضية الى ما دون الصفر، والعدو المتربص في الغرب يعلم ذلك ويخشى أن تستعيد سوريا عافيتها وتصبح قوة مهددة لها، فلماذا لا يتغدى بها قبل أن تتعشى به؟.
العدوان والتدمير أولا بأول هو وسيلته الأولى، والثانية تحريك عملائه السوريين، ورغم أن ذلك أمر لا يتقبله القانون الدولي ولا المواثيق المتعارف عليها، الا أن وجود إدارة أمريكية حاقدة موتورة مما أصابها من عسف على يد الديموقرطيين خلال ادارة بايدن، أعطى الضوء الأخضر للعدو ليعربد كما يشاء في أجواء الشرق الأوسط، بلا وازع من قانون دولي، ولا رادع من القوة العظمى التي ظلت تدّعي أنها شرطي العالم الذي يحفظ أمنه.
من هذه الجهة فالأمور واضحة، ومن يرتجى العدالة من الغرب فهو واهم او متخاذل يعزي نفسه بالوهم.
لكن السؤال: طالما أن انتظار النصرة من (المجتمع الدولي) عبث وتضييع وقت، فما يتوجب علينا فعله؟.
أضعف التزام بالواجب على صعيد الأنظمة العربية، هو موقف واضح مختلف عن مواقف الاستكانة والخنوع المعتادة، ومن يعتقد أن موقفا عربيا صلبا لا يؤثر في قرارات الادارة الأمريكية فهو مخطئ،
والدليل هو تراجع هذه الإدارة عن موقفها السابق تجاه تفريغ القطاع من سكانه وتحويله الى منتجعات سياحية، وذلك بعدما أكد لها مستشاروها عدم واقعية الفكرة، فالسكان لديهم عقيدة تعصمهم من الاستسلام، ومختلفون عن الذين هجرتهم أمريكا لتقيم في أرضهم قاعدة “دييغو غارسيا”.
الواجب الثاني على الأنظمة: التوقف عن نغمة التحالف مع أمريكا، فلا توجد أية مصلحة مشتركة للأمة مع أمريكا، بل العكس فمن يعادونه هو صديقنا ومصدر قوتنا (الاسلام)، ومن يحالفونه هو عدونا (الكيان اللقيط) ومصدر القلاقل لأمتنا، فعلى ماذا التحالف؟.
لذا فعلاقة أي قطر عربي مع أمريكا هي أبعد ما تكون عن التحالف، وأقرب الى الاصطفاف في الخندق المعادي للأمة.
أما بعض أتباع الطوائف الذين كانوا يؤيدون النظام البائد لأنه معاد لمنهج الله، فعليهم أن يفهموا أنه لا يمكن أن يسمح الله باجتثاث دينه، والعدو لن يحمي من يخونون الوطن من مواطنيهم.