نادرة من النوادر خطرت ببالي , أنقلها لكم بتصرف
ذكاء حِمار
يُحكى ان جحا كان ذو نباهة وخفة ظل , ولكنه كان كثير المشارطة مع الناس . فما أن ينتهي من أحدهم إلا ويبدأ مع آخر . والملفت للنظر أنه دائماً كان يربح الشرط . وفي أحد الأيام توجه نفر ممن خسروا المشارطة معه لديوان القضاء كي يشكوا جحا للقاضي . وبعد أن سمع القاضي منهم سألهم السؤال الأتي :- هل يجبركم جحا على مشارطته ؟ فأجابوه بالنفي , ثم سألهم القاضي سؤال آخر وقال : إذاً لماذا تشكونه لي ؟ فقالوا : إنه يجذبنا إليه بكلامه وحيله وكأنه يملك سحراً , فوالله لو أنت كنت أمامه لأذعنت له ولكلامه .
ضحك القاضي وقال : حسناً أنا سأقتص لكم منه . وأمر القاضي بإحضار جحا لديوانه بالتو والحال . حضر جحا وترجل عن حماره وعلامات الاندهاش على وجهه .
القاضي : يا جحا هؤلاء القوم يشكونك بانك تشارطهم وتأخذ مالهم بغير وجه حق فما تقول ؟
جحا : لا يا سيدي القاضي , بل هم من يطلبوا مني مشارطتهم , وأنا استجيب لرغبتهم وتكون النتيجة دائماً خسارتهم . فما ذنبي أنا !
القاضي : حسناً أنا هذه المرة سأضع الشرط وأنت ستجيب , وإن خسرت سوف أمنعك من دخول الأسواق والاختلاط بالناس . ما رأيك ؟
جحا : موافق يا سيدي القاضي
القاضي : هل لك أن تقول لي كم عدد النجوم في السماء ؟
هنا ضحك الجميع وكأن لسان حالهم يقول : ها قد أتاك يا جحا من سيُلقنك درساً لن تنساه . لكن الطريف بالأمر أن جحا ضحك هو الآخر وفوراً قال للقاضي : سبحان الله يا سيدي القاضي , مصادفة عجيبة بأن تطرح عليَ هذا السؤال !
القاضي : وما العجيب في ذلك ؟
جحا : بالأمس عددت شعرات حماري وكانت النتيجة مساوية لعدد النجوم في السماء حيث كنت قد قمت بعد النجوم قبل ذلك بأيام . وها هو حماري معي سأتركه بين يديك لتتأكد من عدد النجوم بنفسك .
ضحك الجميع مرة أُخرى باستثناء القاضي الذي استشاط غضباً وقال لجحا : أتهزأ بي يا جحا !
جحا : معاذ الله يا سيدي ولكن هذا ما حدث فعلاً وإن كنت لا تصدقني قم بِعد النجوم وشعرات حماري وستجد تطابق تام بين العددين
ازداد غضب القاضي ولكنه كظم غيظه وعاد وقال لجحا : حسناً سأُسلم بما قلت يا جحا , ولكن لي عندك شرط آخر إن قمت به لك وزنك ذهباً وإن لم تفعل ضربت عُنقك . ماذا تقول ؟
جحا وبتردد : حسناً يا سيدي القاضي , فما هو شرطك
القاضي : أريد منك أن تُعلّم حمارك اللغة العربية الفصحى مع قواعدها كاملةً غير منقوصة .
جحا : ولكن لي طلب بسيط يا سيدي
القاضي : وما هو ؟
جحا : لو سألنا أهل العلم كم سيحتاج طفل حديث الولادة من مدة زمنية ليتعلم اللغة العربية مع قواعدها ؟
سأل القاضي من هم في مجلسه واتفقوا على أن 20 سنة تكفي لذلك . وهنا عاد جحا وقال للقاضي : حسناً أمهلني 20 سنةً وسأعود ومعي حماري وقد أتقن اللغة العربية وقواعدها . وعلى الفور قال القاضي : لك ذلك .
مرة أُخرى عاد الجميع للضحك كون جحا لن يسلم من هذا الشرط الخاسر . وقام جحا بالاستئذان وانصرف هو وحماره . لكن أحد الرجال أشفق على جحا ولحق به خارج دار القضاء وقال له : لِما قبلت بالشرط يا جحا وأنت تعلم أن حياتك هي المقابل ؟ ضحك جحا وقال : لا يا صاحبي فأنا من كسب الرهان . فقال له الرجل : وكيف ذلك ؟!!! قال جحا : خلال العشرين عاماً سيموت القاضي أو أموت أنا أو يموت الحمار . فقال الرجل : وإن لم يمت أي منكم ؟ فرد عليه جحا وهو مقهقهاً : سأقوم انا بقتل الحمار.
وما أن سمع الحمار بذلك حتى قرر عدم التناسل والتكاثر , لكي لا تكون سُلالته لعبة بأيدي من هم على شاكلة جحا والقاضي . ومنذ ذلك الحين أصبح عدد الحمير في تناقص .